سفر العدد يحكي لنا قصة تيه وترحال بني إسرائيل في البرية واختبارهم بالتجارب لإعدادهم لدخول أرض الموعد. وهذا الكورس يتضمن شروحات لأحداث السفر وفيها نجد فهمًا أعمق للتجارب التي نتعرض لها في مسيرتنا نحو الله، من واقع تجارب البرية التي اجتاز فيها شعب إسرائيل. الشرحات ستتضمن شروحات للعديد من العقائد الأرثوذكسية الهامة ذات الصلة بأحداث السفر، مثل مفهوم الخطية، وغلبة المسيح على الخطية والموت، والتبرير، وتدبير الخلاص
التسمية
في الترجمتين اليونانية (السبعينية)، واللاتينية (الفولجاتا) سُمّي السفر بــــــــــ «العدد» نسبة للإحصاءات التي جاءت فيه في الإصحاح الأول، والإصحاح السادس والعشرون.
أما التسمية العبرية فهي «في البرية» وهي مأخوذة من الآية الأولى في الإصحاح الأول للسفر، وهذا الاسم أكثر وصفًا لمضمون السفر الإجمالي، وهو يحكي تاريخ بني إسرائيل فترة 39 سنة من التيهان في البرية، وقد وردت كلمة «برية» في السفر 48 مرة.
الكاتب والتاريخ
تضمن السفر أحداث السنة الأربعين من الخروج من مصر فبذلك يكون موسى النبي كتب سفر العدد في السنة الأخيرة من حياته، قبل أن يعبر الشعب الأردن أي حوالي سنة 1405ق.م بفرضية أن الخروج قد تم في القرن الخامس عشر قبل الميلاد.
وهناك أدلة كثيرة تشير إلى أن موسى هو كاتبه، فالسفر امتداد لحديث الرب مع موسى في جبل سيناء الذي أورده في سفر الخروج واللاويين، كما يبدأ السفر بقوله «وكلم الرب موسى...» وتتكرر هذه العبارة مرات كثيرة جدًا في السفر. وهناك أحداث مذكورة بالتفصيل تستدعي أن يكون الكاتب شاهد عيان، بل لزم أن يكون موسى نفسه هو الذي كتبها.
موضوع السفر
1- في سفر الخروج نرى انطلاق الإنسان وتحرره من أسر العبودية خلال الدم الكريم (خروف الفصح) متجهًا نحو أورشليم بعد عبوره مياه المعمودية المقدسة (البحر الأحمر) وفي سفر العدد نرى الله معين جهادنا في برية هذا العالم، ونرى عمله المستمر لتنقيتنا لندخل إلى كنعان.
2- إذا كان سفر الخروج يحكي لنا قصة بني إسرائيل في مصر وكيف أن الله أنقذهم من العبودية، وفي ليلة واحدة، وبذراع مرتفعة على كل آلهة المصريين أخرجهم (أعمال الرسل ١٧:١٣) من بعد معاندة فرعون. فإن سفر العدد يوجه نظرنا إلى 40 سنة من التيه في البرية بسبب تمرد الشعب وعصيانه مقابل تأديب الرب وغفرانه.
3- اِنتهى سفر الخروج ببناء خيمة الاجتماع هذه الخيمة هي مسكن الله في وسط شعبه وعلامة حضوره. وفي سفر العدد نرى أن الخيمة هي قلب الجماعة ومركزها، متى خَيَّموا يعسكروا حولها ومتى تحركوا تتقدمهم في المسير.
4- سفر العدد يعلمنا أن نسير في برية هذا العالم بروح الجندي اليقظ المطيع لأوامر قائده، الواثق في حكمة مرشده المصدق لوعود ملكه. فنجد السفر يحتوي على تعبيرات مثل: («كل خارج للحرب» (1: 3، 45)، «أجناد، والجند» (1: 52؛ 4: 3)، «راية وأعلام» (2: 2)، «حراسة» (3، 10، 28، 32، 38)، ...)
5- كما نجد أن سفر العدد مزيج بين الأحداث والوصية. فالوصية هي معين ورفيق الجهاد. فنجد وصايا لترتيب خدمة اللاويين ودور كل واحد في حمل الخيمة وأثاثها (الإصحاح الرابع)، ووصايا لتنقية وتقديس المحلة (الإصحاح الخامس)، وشريعة النذير والتكريس لله (الإصحاح السادس)، تكريس اللاويين للخدمة في خيمة الاجتماع (الإصحاح السابع)، تأكيد على عمل الفصح وَمَنْ يأكله (الإصحاح التاسع)، وصايا خاصة بذبائح خطية السهو، وتقديس يوم الرب (الإصحاح الخامس عشر)، فريضة التطهير والبقرة الحمراء (الإصحاح التاسع عشر)، ترتيب الذبائح اليومية والأسبوعية والشهرية والأعياد السنوية (الإصحاح الثامن والعشرون والتاسع والعشرون). وصية خاصة بالنذور والالتزام بها (الإصحاح الثلاثون)، وشريعة مدن الملجأ (الإصحاح الخامس والثلاثون)، وشريعة ميراث النساء (الإصحاح السادس والثلاثون).
6- وَإن كان سفر العدد قد سَجَّلَ لنا بعض أحداث رحلة الشعب في البرية إلا أن غاية السفر ليست تسجيل مراحل الرحلة أو كل أحداثها، إنما عرض لعمل الله مع الإنسان لتهيئته لدخول أرض الموعد. فهو يركز فقط على أحداث السنة الثانية والسنة الأربعين من الخروج.
كما أن قلة المعلومات عن فترة الـ 37 سنة – ما بين السنة الثالثة إلى السنة التاسعة والثلاثين – توضح كم كانت هذه السنون ضائعة بسبب تمرد بني إسرائيل على الرب ودينونته اللاحقة. فعلى الرغم من إنه من حوريب - حيث أمر الرب الشعب بالارتحال - إلى قادش برنيع (حدود كنعان) تستغرق 11يومًا فقط «أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ حُورِيبَ عَلَى طَرِيقِ جَبَلِ سِعِيرَ إِلَى قَادَشَ بَرْنِيعَ» (تثنية 1: 2). فقد تعطل الشعب عن دخول أرض الموعد 38 سنة. ولم يذكر لنا السفر عن أحداث أو محطات ارتحال خلال هذه الفترة إلا السنة الأخيرة.