تهتم هذه السلسلة بالمعنى التاريخي والنماذجي والروحي لسفر يشوع. ويبدأ السفر بكلمة «وكان» مما يدل على ارتباطه بأسفار موسى الخمسة التي تسبقه، وخاصة سفري الخروج والعدد، وكأنه تكملة للقصة نفسها. فسفر الخروج يشير إلى «سر الصليب» وسفر العدد يشير إلى «الجهاد»، أما سفر يشوع فَيُعَبِّر عن «سر القيامة». السفر يقودنا إلى سِرِّ المسيح كما يقول العلامة أوريجينوس: «هذا السفر لا يهتم كثيرًا بأعمال يسوع بن نون، لكنه يصف لنا أسرار ربي يسوع.»
إن مركز سفر يشوع بالنسبة إلى أسفار موسى الخمسة كمركز سفر أعمال الرسل بالنسبة إلى الأناجيل الأربعة، فأسفار موسى شملت وعود الله للآباء بامتلاك أرضًا تفيض لبنًا وعسلًا. وأيضًا ضمَّتْ الشريعة الموسوية، التي كان لابد بموجبها أن يحيا شعب الله، وجاء سفر يشوع ليشرح بدء تاريخ كنيسة العهد القديم في الأرض الجديدة لتقدم عبادتها وتنعم بالاستقرار والراحة «فَأَخَذَ يَشُوعُ كُلَّ الأَرْضِ حَسَبَ كُلِّ مَا كَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ مُوسَى، وَأَعْطَاهَا يَشُوعُ مُلْكًا لإِسْرَائِيلَ حَسَبَ فِرَقِهِمْ وَأَسْبَاطِهِمْ وَاسْتَرَاحَتِ الأَرْضُ مِنَ الْحَرْبِ» (يش11: 23)، كما أن سفر الأعمال قَدَّمَ بداية تاريخ كنيسة العهد الجديد التي أخذت الطبيعة الجديدة بحلول الروح القدس يوم الخمسين وعاشت الحياة الجديدة بحسب تعاليم الرب يسوع المسيح الواردة في الأناجيل الأربعة.
أضفى اسم «يشوع» الذي هو هو بالعبرية «يسوع» جاذبية خاصة لهذا السفر مما جعل المفسرين يُسَجِّلون كلَّ عَمَلٍ ورد في السفر رمزًا لعمل المسيح لأجل خلاصنا.
واهتمت هذه السلسلة أيضًا بالتساؤلات حول الله في العهد القديم، وتعامله في الحروب التي قام بها الشعب اليهودي «شعب الله» أثناء خروجه من أرض مصر، ودخوله وتملكه أرض كنعان، الأرض التي وعد بها الله إبراهيم أب الآباء. وهذه التساؤلات تأتي بسبب مظاهر القسوة والعنف في هذه الحروب، والتي لا تعكس ما تعلمناه عن الله أنه المحب والغافر للخطايا.
إن الأمر ليس سهلًا، ولكن علينا أن نصارع ونجاهد مع الله لنفهم -بقدر المُستطاع- ما يحيط بهذه الحروب من ظروف وكيف يمكن أن نتعاطى معها. الأب توماس هوبكو اللاهوتي الأرثوذكسي له قول مناسب لهذه القضية:
في الواقع، تعني كلمة «إسرائيل» ذاتها «الشخص الذي يصارع الله». نحن نكافح مع الله. الله يجاهد معنا. كما قال أحد آباء الصحراء: «أحيانًا نتقاتل مع الله؛ في بعض الأحيان نفرح بالله». الله لا يغيب أبدًا عن بالنا. نحن نعيش في شركة مع الله، ونكافح لفهم الحقيقة ومعرفتها. وأسفار الكتاب المقدس هي جزء كبير من ذلك الصراع، ولا يمكنك أن تعرف حقًا البشارة المسيحية وحقيقة المسيح دون التأمل والتَبَصُّر في الكتاب المقدس.
