إلهنا الذي يحبنا ونحن له هو الخالق من العدم والذي يدعو الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة ، لذا لا نيأس فهو قادر أن يخلق من فوضى حياتنا وقبحها واقعًا جديدًا جميًلا له قصد و معنى يتحقق طالما نكون في شركة معه.
وكانت الأرض خربة وخالية، وعلي وجه الغمر ظلمة، وروح الله يرف علي وجه المياه. (تك 1: 2)
التفسير الطيبولوجي[1]
قيل عن الأرض إنها كانت «خربة وخاوية»، وفي الترجمة السبعينية: «غير منظورة وغير كاملة»، ويعلل القديس باسيليوس الكبير أنها غير منظورة لعدم خلق للإنسان بعد لكي يراها، ولأن المياه كانت تغطيها تمامًا، أو لأن النور لم يكن بعد قد أشرق عليها فكان الجو غامضًا. أما كونها «غير كاملة» فبسبب عدم قدرتها علي الإنبات.
علي أي الأحوال إن كان الوحي قد أعلن أن الآب خلق السموات والأرض بكلمته ، فهنا يكشف عن دور الروح القدس الذي كان يرف علي وجه المياه ليخلق من الأرض الخربة والخاوية عالمًا صالحًا جميلًا. ولا يزال الروح القدس إلي يومنا هذا يحل علي مياه المعمودية ليقدسها فيقيم من الإنسان الذي أفسدته الخطية وجعلت منه أرضًا خربة وخاوية، غير منظورة لحرمانها من إشراقات الله وغير كاملة… سموات جديدة وأرضًا جديدة، أي يهبنا الميلاد الجديد فيه ننعم بنفس مقدسة علي صورة الله خالقنا وجسد مقدس أعضاؤه آلات برّ لله.
لقد أنجبت المياه الأولي حياة، فلا يتعجب أحد إن كانت المياه في المعمودية أيضًا تقدر أن تهب حياة… كان روح الله محمولًا علي المياه، هذا الذي يعيد خلق من يعتمد. كان القدوس محمولًا علي المياه المقدسة، أو بالأحرى علي المياه التي تتقبل منه القداسة. بهذا تقدست المياه وتقبلت إمكانية التقديس. هذا هو السبب الذي لأجله إذ كانت المياه هي العنصر الأول لموضوع الخلق حصلت علي سر التقديس خلال التوسل لله.
(العلامة ترتليان)
راكوتى – الدرس الأول – فى البدء خلق الله
[1] يُقصد بالتفسير الطيبولوجى، التفسير النماذجي، أي تفسير شخصيات وآيات وأحداث في العهد القديم كظلال لشخصيات وأحداث خلاصية في العهد الجديد واعتمد آباء مدرسة الإسكندرية كالقديس أثناسيوس والقديس كيرلس على هذا النوع من التفسير.