fbpx
Search
Close this search box.

كيف تفسر الكتاب المقدس تفسيراً صحيحاً؟

          “كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ.” (2 تي 3: 16 فان دايك)، حقًا هو ما اعترف به معلمنا القديس بولس الرسول في رسالته لتلميذه تيموثاوس، أن كل الكتاب موحى به من الله، هو رسالة الله للبشرية كلها، والنافع لكل زمان.

          فالكتاب المقدس هو من الله، كما يقول القديس الأنبا شنودة الأرشمندريت في عظته «أني أتعجب» حين قال: “فعشر كلمات هي التي أتى بها النبي العظيم موسى، وهو نازل من الجبل، مكتوبة بأصبع الله، من أين كل ذلك الكلام في كافة أسفاره؟ أليس لأن الرب الإله ضابط الكل وروحه هما الفاعلان فيه؟”[1]

          ولذلك يجب أن نُدرِك أن كل ما كُتب في الكتاب المقدس هو كلام الله الذي أرسله لنفع البشرية كلها، هو تجسد لكلمة الله للبشرية في كتابه عن طريق الروح القدس، فقد أوحى الله بكلماته لأنبيائه ورسله لكي يكتبوها، تاركًا لهم أسلوبهم لكي يعبروا عن كلمات الله، والغرض منها هو معرفة الله، وإقامة العلاقة الصحيحة معه بالاتحاد بكلمته، فكما تجسد أقنوم الابن بالعهد الجديد، كذلك تجسدت أقوال الله بالكتاب المقدس: “الوحي هو تسجيل إعلان الله بطريقة خاصة، بعمل الروح القدس في كتبة الكتاب المقدس الذي يحثهم على الكتابة، ويُرشدهم ويكشف لهم عن الحقائق التي يريد الله أن يوصلها للبشر، ويعصمهم من الخطأ، حتى يتطابق إعلان الله عن نفسه بصورة كاملة وواضحة، ويستطيع الإنسان من خلالها التعرف على الله، وإقامة علاقة صحيحة معه (الديانة).”[2]

          لذلك فرسالة الخلاص في الكتاب المقدس هي للبشرية كلها، لتنير لهم الطريق، ووظيفة الأنبياء والرسل هو نقلها للمؤمنين، كي يعرفوا الله المعرفة الحقيقية، ويؤمنوا به، بل ويتحدوا بابنه بالروح القدس، ويشهدوا بخلاصه، وكما يقول القديس أغناطيوس الأنطاكي في رسالته لمغنيسيا: “إن أنبياء الله القديسين قد سلكوا بحسب المسيح، فاُضطهِدوا، بنعمته أُوتُوا الوحي، لكي يتيقن الكافرون يقينًا تامًا بأن الله واحد، ظهر بابنه يسوع المسيح.”[3]

          إذًا كيف يُفسر الكتاب المقدس تفسيرًا صحيحًا؟

          يجب أن نُدرِك أولًا أن الكتاب المقدس هو أنفاس الله، حتى نحذر عندما نقترب منها، بأن نقترب بكل خشوع وطاعة وإيمان:

تعبير (مُوحى به) في اليونانية (θεόπνευστος – ثيوبنوستوس) أي (strictly God-breathed – نفس الله)، أو (تنفس الله) أو (الله تنفس)، فكل الكتاب مُوحى به من الله، أي كل الكتاب هو نفس الله، كما قال المزمور: “بِكَلِمَةِ الرَّبِّ صُنِعَتِ السَّمَاوَاتُ، وَبِنَسَمَةِ فِيهِ كُلُّ جُنُودِهَا.” (مز 33: 6)، وعندما خلق آدم “… وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْسًا حَيَّةً.” (تك 2: 7). إذًا الكتاب المقدس كُتب بذات القدرة التي خلق بها الله الملائكة وآدم، والكتاب المُقدس هو نسمة من الله نفخها في قلوب الكُتَّاب، ولذلك دعَي الآباء القديسون الكتاب المُقدس بأنفاس الله.[4]

          ولذلك فالاقتراب والقراءة من الكتاب المُقدس يجب أن تكون بمواظبة، ودون اندفاع بل بحرص شديد، حتى لا نقع في تفسيرات وتأويلات خاطئة، وكما يحذر بذلك العلامة أوريجينوس في خطابه لتلميذه غريغوريوس العجائبي، في حديثه عن قراءة الكتاب المقدس، بقوله:

أولًا وقبل كل شيء عليك يا ابني العزيز أن تواظب على قراءة الكتب المقدسة، نعم واظب؛ لأننا نحتاج إلى انتباه شديد في قراءة الكُتب المُقدسة، لكي لا نتكلم أو نفكر باندفاع بخصوصها، وبينما نواظب على قراءة الأقوال النبوية الإلهية بأمانة، وعن قُرب شديد، وبشكل مُرض لله، أطرق على مواضعها المُغلقة، وسوف تنفتح لك من قِبَل البواب الذي قال عنه يسوع، “وله يفتح البواب” اِقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ (مت 7: 7، يو10: 3)، وبالمواظبة على قراءة الإلهيات، اسع وأطلب بالصواب وبإيمان غير متزعزع في الله لتحصل على فهم للحروف الإلهية، المخفاة عن مُعظم الناس، لا تكن راضيًا فقط بالطرق والسعي، لأن الأكثر حيوية هي الصلاة لفهم الأمور الإلهية.[5]

          إذا فقراءة الكتاب المقدس حسب تعاليم أوريجينوس تلزم الاقتراب بخشوع وصلاة، والمواظبة على القراءة، وعدم الاندفاع في التفسير، وبإيمان غير متزعزع، والطلب من الله كي يعطي المعان الحقيقية، والتفسيرات الحقة لفهم الأمور الإلهية المُخفاة، فالصلاة هي مفتاح فهم الأسرار الإلهية.

          كذلك يجب أن نحذر من التفسيرات الخاطئة بأفكار غير كتابية؛ أي بترك النفس للتأويلات الغير الصحيحة بناءً على الأهواء البشرية، غير الخاضعة للروح القدس، وخطورة تلك التأويلات والتفسيرات أنها قد تنتج بدع وهرطقات، مثلما حدث في القرون الأولى من المسيحية حين قام البعض بتفسير بعض الآيات وفقًا لنظرتهم الخاصة، مثل أريوس وغيرهم.

          وكثيرًا ما حذر الآباء من هذه التفسيرات، مثل القديس أغناطيوس الأنطاكي في رسالته لمغنيسيا، بقوله: “لا تخدعكم التعاليم الغريبة، ولا تلك الأساطير القديمة التي لا منفعة فيها.”[6]

          لذلك فالتحذير من التعاليم الغريبة هو منهج آبائي، تحرص عليه الكنيسة الجامعة، بل وتُحرض عليه، وذلك بأن يكون كل تعليم هو نابع من التعليم الصحيح والمُسلم بالروح القدس في الكتاب المُقدس، والمشروح وفقًا لتعاليم الآباء المُتفق عليها، فخطورة التعليم خارج تعليم الآباء ينتج أفكارًا مذهبية خطيرة وخاطئة، خطيرة لأنها تنتج بدع تُقسم الكنيسة، وخاطئة لأنها لا تتفق مع التعليم الآبائي المستمد من الكتاب المُقدس.

          ولأهمية السير على نهج الآباء في تفسير الكتاب المُقدس يجب أن نفهم:

          إن الانفتاح والإرادة القوية على الإنصات، تظل هي من الخواص الأساسية لأولئك الذين يستمعون إلى موسيقي شدو الآباء، بحسب مايكل كاسي، تُوجد ثلاثة أسباب لدراسة الآباء:

أولًا: أن الآباء أكثر قربًا واستفادة من التقليد الرسولي، لقد عاش الآباء وعملوا في تلاق تفسيري مع كُتّاب الوحي، خاصة كُتّاب العهد الجديد.

ثانيًا: إن الآباء يساعدوننا على فِهم جذورنا أو أصولنا في الإيمان.

ثالثًا: مُعظم الآباء قد كتبوا وعاشوا كرعاة، لقد كتبوا ليعينوا الشعب على الإمساك بقبضة تعليم المسيح. إن التعليم اللاهوتي لم يره أحد من الآباء كحرفة أو وظيفة. لقد أُعتبر أكثر من مجرد حرفة، إنه التزام بالرعاية، أو بالعناية الرعوية. لذلك النصوص التي تمت كتابتها من هذا المنظور تُعبر عن وجودنا وواقعنا.[7]

          كذلك ينير الأنبا شنودة الأرشمندريت الطريق لفهم نصوص الكتاب المُقدس عن مُعلمي البيعة الحقيقيين، والبعيدين عن كل هرطقات، فيشرح في عظته «أني أتعجب» محذرًا من هذه التعاليم الغريبة، وداعيًا للتمسك بتعاليم آباء الكنيسة، فيقول: “من هم الذين يكسرون فخاخ أولئك ويحطمون قيودهم؟ أنهم معلمو الكتاب المُقدس منذ الأنبياء والرُسل والآباء المستقيمين في كل زمن، المحبين لأولادهم، وبواسطة لهيب نور تعليمهم تعرف الشعوب المسيحية الحقة ضلال الذين جُنُّوا، وضلال الذين صاروا مجانين بواسطتهم، أنا أتحدث عن رؤوس الحية، وأيضًا عن جسدها، أي كل الهرطقات ومُعلميها.”[8]

          كذلك لتفسير الكتاب المُقدس يجب الالتزام بالمنهجية الصحيحة للتفسير، والبحث داخل النص عما هو مُرسل من الله، والبعد عن التفاسير الشخصية:  

يتطلب تفسير تعاليم الكتاب المُقدس تفسيرًا صحيحًا وحقيقيًا، استخلاص المعنى الإلهي، ليس علينا أن نُكون المعنى بأنفسنا، أو نستنتج ما ليس في معنى النص، ونعتقد أنه تعليم، عندما يضع الناس اتجاهًا خاصًا غير محايد إلى النص، أو يضيفون أفكارهم الخاصة، ليس من الصعب أن نرى كيف يُمكن أن ينتهي الأمر، حيث يُكوَّن ذلك لدينا رؤى مختلفة ومتناقضة بشأن حق مُعين، ولكن يُمكن تجنب الكثير من ذلك إن اتبعنا عملية اكتشاف المعنى الإلهي للحق، وهذه العملية تُسمى التأويل، والتي تأتي في اليونانية بمعنى «يجعله معروفًا» أو «يتكشف تدريجيًا في التعليم» أو «يعلنه من خلال أن يجعله معروفًا».[9]

          ولاستخلاص المعنى الإلهي في تفسير الكتاب المقدس، يجب أن يُدرس الكتاب المقدس بطريقة صحيحة، ومن طُرق دراسة الكتاب المقدس وفهمه الفهم الصحيح الخطوات التالية:

          المهارات العشر في قراءة الكتاب المقدس:

أولًا: أكتب أسمي على كتابي المقدس: حتى يكون الكتاب جزء من شخصيتك ونفسيتك ترجع إليه في فترات الفتور الروحي.

ثانيًا: أقرأ الآيات بلغة سليمة: حتى لا تُغير المعنى، وسماع الكتاب المُقدس بالتشكيل، يساعد في قراءة النص بلغة سليمة.

ثالثًا: أعرف معنى الكلمات الصعبة: فلا تكن القراءة سريعة مثل قراءة الجرائد، أو إرضاء الضمير، أو أخذ البركة فقط، فتعبر الكلمات دون أن تفهم معناها.

رابعًا: أشرح الآيات: أطلق فكرك ومشاعرك وقلبك للتأمل في الآية، وتدرب على سماع صوت الله من كلامه.

خامسًا: أختر آية للتطبيق: في الحياة اليومية.

سادسًا: أربط النص بالكتاب المُقدس كله: فالكتاب المُقدس كله وحدة واحدة، وكاتبه شخص واحد هو الروح القُدس.

سابعًا: استخلص الدروس المُستفادة: الدرس المُستفاد من كل آية أو نص.

ثامنًا: أضع عنوان للنص: الفكرة أو العنوان لفهم النص.

تاسعًا: قارن بين شخصيات النص وبعضها: لكي تشعر بمشاعر الشخصيات الموجودة في النص.

عاشرًا: استخدم التفاسير: حتى تعرف الأمور التي كانت غامضة والأمور التي خرجت عنها.[10]

          استخدام الخطوات العشرة السابقة تساعد القارئ للكتاب المُقدس على الفهم الصحيح لآيات الكتاب المُقدس، فكل خطوة تُعطي فهما وعمُقًا، فالقراءة الصحيحة للنص بالتشكيل، تمنع الخروج عن فهم النص الصحيح، كذلك معرفة الرسالة الحقيقية للنص هو أمر مطلوب، كذلك الرجوع للتفاسير الآبائية حتى لا يخرج القارئ عن سياق النص بتفاسير غريبة، والمقصود هنا بالتفسير هو الفهم الحقيقي للنص، وهو يختلف عن الرسالة الشخصية، فالرسالة الشخصية للنص الكتابي، هو ما يعطيه الروح القُدس للإنسان حين يقرأ النص كي يعيش فيه، أما التفسير هو رسالة الله للكل؛ أي للكنيسة والبشرية، ولذلك يجب أن يخضع التفسير لفهم الكنيسة وما تسلمته من آباء، حتى لا يكون هناك فِهمٌ خاطئ أو مفاهيم متنوعة أو غريبة، خارجة عن سياق ما تسلمه آباء الكنيسة الأوائل وما تسلموه من رُسل المسيح.

          كذلك لتفسير الكتاب المقدس التفسير الصحيح، يجب أن يرجع القارئ لخلفيات نصوص الكتاب المقدس، وهي:

أولًا: الخلفية اللغوية: وهي الرجوع لأصل الكلمة في لُغتها الأصلية المكتوبة، مثل اليونانية، أو الترجمات الأخرى مثل الإنجليزية، حتى نجد المعنى بصورة أوضح. وثانيًا: الخلفية اليهودية: فمعرفة الخلفية اليهودية لعصر السيد المسيح له المجد، يجعلنا نفهم كثيرًا من الآيات. وثالثًا: الخلفية الكتابية: بالرجوع للخلفيات للنصوص بين العهد الجديد، والعهد القديم. ورابعًا: الخلفية الجغرافية. وخامسًا: الخلفية البيئية. وسادسًا: الخلفية السياسية. وسابعًا: الخلفية الثقافية. وثامنًا: الخلفية التاريخية. وتاسعًا: الخلفية اللاهوتية والعقيدية. وعاشرًا: الخلفية الاقتصادية.[11]

          وهذه الخلفيات العشرة تساعد القارئ للكتاب المُقدس على فهم النص بوعي، فالرجوع لهذه الخلفيات العشرة، تجعل القارئ يعيش النص في حقيقة أحداثه، وذلك بمعرفة الحقيقة التاريخية والثقافية والعقائدية واللغوية والجغرافية وغيرها من خلفيات التي تجعل أيضًا القارئ يغوص في أعماق النص.

          وخروج وتفسير النص خارج سياقه هو من الخطورة الجمَّة على المؤمنين؛ وذلك لأنه يفتح الباب نحو التفسير وفقًا للقناعات الشخصية، خارج حدود ما تسلمه آباء الكنيسة الأوائل من الرُسل أنفسهم، وسلموه بأنفسهم للكنيسة وحتى الآن، في إطار سلسلة آباء الكنيسة منذ الكنيسة الأولى وحتى الآن، مما يُمهد للانقسامات والأخطاء، ومن ثَم البدع والهرطقات، والتي نتجت عن التفاسير الشخصية خارج إطار الإجماع الآبائي والكنسي، وهو ما يجب الحذر منه، “لذلك عندما نقرأ النص خارج سياقه، نواجه خطر قراءة معنى آخر في النص، ليس ببساطة موجودًا فيه، ويُسمي العلماء ذلك بالتفسير الشخصي، أو استنتاج ما ليس في المعنى. ومُعظم أخطاء التفسير تأتي من استنتاج معنى للكتاب المُقدس ليس موجودًا به، أو لم يكن مقصودًا، ويُمكن تجنب الكثير من ذلك بقراءة النص داخل السياق.”[12]

          ولذلك يجب أن يتم التفسير للكتاب المُقدس، بتفسير أكثر شموليًا بين النص الكتابي ومعناه بخلفياته المُختلفة، وبين تعليم آباء الكنيسة، ليكون التفسير مبنيًا على أسس سليمة، بعيدة كل البعض عن الأخطاء، والتي تجلب الانقسامات داخل الجسد الواحد؛ والمَعنِي به هنا «جسد الكنيسة الواحد»، فكثيرًا من هذه التفسيرات تؤثر على وحدانية الفكر والرأي، بل تخلق الانقسامات، والتي حذر منها القديس بولس الرسول في رسالته الأولى لكنيسة كورنثوس، بقوله: “وَلكِنَّنِي أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، بِاسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَنْ تَقُولُوا جَمِيعُكُمْ قَوْلًا وَاحِدًا، وَلاَ يَكُونَ بَيْنَكُمُ انْشِقَاقَاتٌ، بَلْ كُونُوا كَامِلِينَ فِي فِكْرٍ وَاحِدٍ وَرَأْيٍ وَاحِدٍ،” (1 كو 1: 10).

          وتجاهل الفكر الشمولي للمعني يمثل خطورة جمة، “إذ أن تجاهل التفسير الفكر الشمولي للمعنى الكتابي والتعليم الكنسي عن النصوص الإيمانية؛ فإنه بهذا يُقدم معنى غريب عن التعليم الآبائي الذي تسلمته الكنيسة، الأمر الذي يقودنا إلى السقوط في الفكر اللاهوتي الليبرالي أو الفكر اللاهوتي المُتشدد، فالتطرف في أي اتجاه يجعلنا ننسى أن كلمات الكتاب المقدس هي: كلمات الله وأنفاسه التي أُعلنت بلغة بشرية.”[13]

          لذلك فالتفسير الشمولي للكتاب المُقدس هو التفسير الواقعي والصحيح والأكثر فهمًا للنص الكتابي، لأنه لا يتجاهل المعنى الكتابي، أو التعليم الآبائي، مما يجعله يربط التعليم الكتابي بحياة المؤمن، وتعليم الكنيسة دون إخلال أو تشويه للنص، بل يكون بتعمق في النص، وبخضوع للروح القدس الحال فيه، دون تطرف في التفسير، بل تكون الصلاة هي المحرك الرئيسي لقلب المُفسر، داخل إطار الإجماع الكنسي السليم.

          لذلك وليكون تفسير الكتاب المُقدس تفسيرًا صحيحًا وواقعيًا بعيدًا عن التأويلات الخاطئة، يجب أن يكون التفسير ناتج عن القراءة الصحيحة للكتاب المقدس، وبكل حرص، وخشوع للنص الكتابي، وبمواظبة القارئ على القراءة والنهل من الكتاب المُقدس، ودون اندفاع في التفسير، بل بخضوع للنص الكتابي، عالمًا ومتيقنًا أنها أنفاس الله، وأن كاتبه هو الروح القُدس، وبخشوع في الصلاة طالبًا أن ينال التفسير بقوة الروح القدس الحالة فيه، وأن تكون منهجية الآباء في التفسير هي القَبس الذي يسير عليه المُفسر للكتاب المُقدس في التفسير، وبخضوع لإجماع آباء الكنيسة المُسلم عبر قرون طويلة من تاريخ الكنيسة، منذ عصر الكنيسة الأولى وحتى الآن، بدون تأويل أو تحريف لهذه النصوص، مستخدمًا لأدوات العصر الحديث في التفسير، ليكون ملائمًا للتطور الفكري والعصري في الكنيسة، ولكن بدون إخلال لما تسلمته الكنيسة من مُعلميها وآبائها في القرون الأولى، ويكون ذلك أيضًا من خلال قراءة الكتاب المُقدس باستخدام العشر مهارات الأساسية للقراءة، وكذلك الخلفيات العشرة للنص الكتابي، حتى تكون القراءة صحيحة وحقيقية للنص الكتابي، لفهم ما قصده الروح القدس به،  وكذلك بالالتزام بالتفسير الشمولي للنص الكتابي، بعيدًا عن الفكر اللاهوتي الليبرالي أو الفكر اللاهوتي المُتشدد، ودون تطرف لأي اتجاه.

الشماس جورج رفعت فلتس – الخادم بالمدرسة

أسيوط، 19 يونيو 2023م

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[1] . الأنبا شنودة رئيس المتوحدين، الأنبا شنودة رئيس المتوحدين: الجزء الأول (سيرته، عظاته، قوانينه)، ترجمة دكتور صموئيل القس قزمان معوض (القاهرة: مكتبة باناريون، 2009)، 133.
[2].  الراهب بنيامين المحرقي، دراسات في علم اللاهوت النظري (دير المحرق: الكلية الإكليريكية اللاهوتية بدير المحرق العامر، 2009)، 266.
[3].  أقليمس الروماني وأغناطيوس الأنطاكي وبوليكاربُس السميرني، رسائل أقليمس الروماني وأغناطيوس الأنطاكي وبوليكاربُس السميرني، ترجمة سعد الله سميح جحا (بيروت: دار المشرق، 2008)، 111.
[4].  حلمي القمص يعقوب، مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (الجزء الأول): مقدمة (1) (مريوط: مطبعة دير الشهيد العظيم مار مينا العجائبي بمريوط، 2017)، 362.
[5].  جوهانس كواستن، علم الآبائيات – باترولوجي (المجلد الثاني)، ترجمة الدكتور جرجس كامل يوسف (القاهرة: مركز باناريون للتراث الآبائي، 2017)، 77.
[6]. الآباء الرسوليون، ترجمة الدكتور جرجس بشرى حنا والقس لوقا يوسف رزق والدكتورة إيريني ثابت جورج (القاهرة: مركز باناريون للتراث الآبائي، 2019)، 335.
[7]. جورج عوض إبراهيم، آباء القرن الثاني والكتاب المقدس (القاهرة: دكتور جورج عوض
إبراهيم، 2014)، 8.
[8] . الأنبا شنودة رئيس المتوحدين، الأنبا شنودة رئيس المتوحدين: الجزء الأول (سيرته، عظاته، قوانينه)، 124.
[9]. جوش ماكدويل وشون ماكدويل، أصعب 77 سؤالًا عن الله والكتاب المُقدس وإجاباتها، ترجمة يوسف شكري رمزي (القاهرة: هيئة الخدمة الروحية للنشر، 2017)، 182.
[10]. المركز الإعلامي للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، تراث كنيستنا روح وحياة: جزء 2 الكتاب المُقدس (القاهرة: بطريركية الأقباط الأرثوذكس، 2016)، 54-57.
[11]. المركز الإعلامي للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، تراث كنيستنا روح وحياة: جزء 2 الكتاب المُقدس، 130-170.
[12]. جوش ماكدويل وشون ماكدويل، أصعب 77 سؤالًا عن الله والكتاب المُقدس وإجاباتها، 185.
[13]. القس بولس رفعت رمزي، مدخل إلى علم التفسير الكتابي (ببا: معهد الأنبا أثناسيوس للدراسات المسيحية، 2021)، 34.
 

شارك المقال مع اخرين

اكتشف المزيد

أعياد
Rakoty CYCS

حياةٌ مِنَ الموت

حياةٌ مِنَ الموت إن فصل الإنجيل لقداس عيد القيامة المجيد والذي قُرأ علينا الآن (يو 20: 1-18) يتضمن مفارقة عجيبة؛ ألا وهي أن الكلمة الأكثر

روحية
Rakoty CYCS

لماذا هذا الموقف من آلام المسيح؟

آلام المسيح تغربلنا «وَقَالَ الرَّبُّ: «سِمْعَانُ، سِمْعَانُ، هُوَذَا الشَّيْطَانُ طَلَبَكُمْ لِكَيْ يُغَرْبِلَكُمْ كَالْحِنْطَةِ! وَلكِنِّي طَلَبْتُ مِنْ أَجْلِكَ لِكَيْ لاَ يَفْنَى إِيمَانُكَ. وَأَنْتَ مَتَى رَجَعْتَ ثَبِّتْ

روحية
Rakoty CYCS

إشعياء 58 – بركات قبول الصَّوم

رابعًا: بركات قبول الصَّوم «8 حِينَئِذٍ يَنْفَجِرُ مِثْلَ الصُّبْحِ نُورُكَ، وَتَنْبُتُ صِحَّتُكَ سَرِيعًا، وَيَسِيرُ بِرُّكَ أَمَامَكَ، وَمَجْدُ الرَّبِّ يَجْمَعُ سَاقَتَكَ [شَملك].9 حِينَئِذٍ تَدْعُو فَيُجِيبُ الرَّبُّ.

عايز تدرس معانا ؟

تصفح العديد من البرامج والدروس المتاحة