رابعًا: بركات قبول الصَّوم
«8 حِينَئِذٍ يَنْفَجِرُ مِثْلَ الصُّبْحِ نُورُكَ، وَتَنْبُتُ صِحَّتُكَ سَرِيعًا، وَيَسِيرُ بِرُّكَ أَمَامَكَ، وَمَجْدُ الرَّبِّ يَجْمَعُ سَاقَتَكَ [شَملك].9 حِينَئِذٍ تَدْعُو فَيُجِيبُ الرَّبُّ. تَسْتَغِيثُ فَيَقُولُ: هأَنَذَا… يُشْرِقُ فِي الظُّلْمَةِ نُورُكَ، وَيَكُونُ ظَلاَمُكَ الدَّامِسُ مِثْلَ الظُّهْرِ. 11 وَيَقُودُكَ الرَّبُّ عَلَى الدَّوَامِ، وَيُشْبعُ فِي الْجَدُوبِ نَفْسَكَ، وَيُنَشِّطُ عِظَامَكَ فَتَصِيرُ كَجَنَّةٍ رَيَّا وَكَنَبْعِ مِيَاهٍ لاَ تَنْقَطِعُ مِيَاهُهُ. 12 وَمِنْكَ تُبْنَى الْخِرَبُ الْقَدِيمَةُ. تُقِيمُ أَسَاسَاتِ دَوْرٍ فَدَوْرٍ، فَيُسَمُّونَكَ: مُرَمِّمَ الثُّغْرَةِ، مُرْجِعَ الْمَسَالِكِ لِلسُّكْنَى».
هذه البركات يجب أنْ تُفهَم في بُعديها الحرفيّ والرُّوحيّ، فالرَّبُّ يتعَهَّد هؤلاء الأتقياء في أوقاتِ الجوع والعطَش بالشَّبع والارتواء، وبالنُّور حتَّى في أوقات الظَّلام وبجَمْع الشَّملِ وبالصِّحَّة والبِرِّ. وفي العدد 12 نقرأ عن بِناء الخِرَب القديمة، والَّتي تعني روحيًّا عودة الحياة الإلهيَّة للنُّفوس الخَرِبة، مثلما فعل القدِّيسان أنبا مقار الكبير وأنبا إيسيذورُس مع موسى الأسود رئيس العصابة والقاتل، فقد طردوا معًا [القدِّيسان وأنبا موسى] -بمؤازرةِ النِّعمة- الوحوشَ السَّاكِنة في قلبهِ، ومن ثَمَّ أضحى قلبُهُ مدينة الله الَّتي تسكُنُها الفضائل. يُفَسِّر ترجوم يوناثان ذلك بأنَّ «مُرْجِعَ الْمَسَالِكِ لِلسُّكْنَى» هو استعادة الشِّرِّير إلى التَّوراة.[1] ويُضيف الرَّابي راشي أنَّ هذا هو ما يضمن استقرار العالم، أنْ يسكُن الإنسان في التَّوراة.[2] وأمَّا عن «فَيُسَمُّونَكَ: مُرَمِّمَ الثُّغْرَةِ» فترجمها شيوخُ السَّبعينيَّة: «باني الأسوار».[3]
أقوال آبائية
يقول القدِّيس كيرلُّس الكبير:
«تأتي إلينا كلمة النُّبوَّة في صورتَين رمزيَّتَين فيظهَر جمالُ الأفكار المُختفية. فكما عن مدينةٍ مهجورةٍ زمنًا بغير حماية، وحولها تتشَكَّل الكلمات. إنَّها توَضِّح أنَّ خرائبك سوف تُسكَن إلى الأبد، بمعنى أنَّك لن تكون عاريًّا من الأفكارِ الصَّالحةِ السَّاكنةِ في قلبِكَ، كما لن تكون بلا حماية أو حراسة أمينة، لأنَّ المسيح سوف يكون لك أساسًا وثباتًا أبديًّا، وتكون مثل مدينة بها شعبٌ كثيرٌ لا يُحصى يسكنون هٌناك. لأن أنفُس القدِّيسين مملوءة من الكلمات والأفكار المُقَدَّسة المُختَصَّة بالله. الَّتي سوف تأتي إليها من فوق ومن أسفل وتجعلها نِبراسًا للكمال، مُبَيَّنةً أنَّها مُمتَلِئة من كُلِّ خَيرٍ. لذلك سوف يدعونك باني الأسوار».[4]
القس برسوم مراد، أسيوط
2 أبريل 2024
