fbpx
Search
Close this search box.

إشعياء 58 – خلفيَّة مُبَسَّطة عن الصَّوم عند اليهود

بمناسبة الصوم الأربعيني المُقَدَّس، والذي يُقْرأ فيه سِفرُ إشعياء على مدار امتداد الصوم من بدايته وحتى نهايته، مِنْ المهم جدًا أن يتعرفُ القارئ على معنى الصوم المقبول والمُختار عند الربِّ بحسب ما جاء في الإصحاح الشهير إش 58 والذي تقرأه علينا الكنيسة في الأربعاء السابع من الصوم المقدس، وَهذا ما يتحدث عنه هذا المقال في عدة أجزاء لِيَسْهُل على القارئ المتابعة والصلاة بهذه المعاني ومحاولة الاقتداء بها حتى نصوم بحسب فكر الربِّ وفي شركة حقيقية في صوم المسيح.

أولاً: خلفيَّة مُبَسَّطة عن الصَّوم عند اليهود

          هُناك أصوام رسميَّة جماعيَّة وأخرى شخصيَّة اختياريَّة. بالنِّسبة للأصوام الرَّسميَّة الجماعيَّة، هُناك صومٌ واحدٌ تَنُصُّ عليه الشَّريعة وهو صومُ يوم الكَفَّارة (لا 16: 29) في اليوم العاشر من الشَّهر السَّابع، ويصومُ اليهود من غروب اليوم السَّابق إلى غروب يوم الكفَّارة،[1] ويشمل هذا الصَّوم الامتناع عن الطَّعام والشَّراب ودَهن الرَّأس والاستحمام والعلاقة الزَّوجيَّة، ويُصاحِبه مُمارَسات لإذلال النَّفس كتلك الواردة في (إش 58: 3:( «يَقُولُونَ: لِمَاذَا صُمْنَا وَلَمْ تَنْظُرْ، ذَلَّلْنَا أَنْفُسَنَا وَلَمْ تُلاَحِظْ؟ … 5 أَمِثْلُ هذَا يَكُونُ صَوْمٌ أَخْتَارُهُ؟ يَوْمًا يُذَلِّلُ الإِنْسَانُ فِيهِ نَفْسَهُ، يُحْنِي كَالأَسَلَةِ رَأْسَهُ، وَيْفْرُشُ تَحْتَهُ مِسْحًا وَرَمَادًا. هَلْ تُسَمِّي هذَا صَوْمًا وَيَوْمًا مَقْبُولًا لِلرَّبِّ؟».

          نقرأ في سفر زكريَّا عن أصوامٍ أُخرى جماعيَّة ورسميَّة معروفة مثل: «هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: إِنَّ صَوْمَ الشَّهْرِ الرَّابِعِ وَصَوْمَ الْخَامِسِ وَصَوْمَ السَّابعِ وَصَوْمَ الْعَاشِرِ يَكُونُ لِبَيْتِ يَهُوذَا ابْتِهَاجًا وَفَرَحًا وَأَعْيَادًا طَيِّبَةً. فَأَحِبُّوا الْحَقَّ وَالسَّلاَمَ» (زك 8: 19). هذه الأصوام لا ذِكر لها في شريعة موسى إلاَّ إنَّها أخذت شكلها الرَّسميّ والقانونيّ مُنذ حِصار أورشليم على يد نبوخذ نصر وخلال زمان السَّبي. وهذه الأصوام ارتبطَت بأحداثٍ قوميَّة، فصَوم اليوم العاشر من الشَّهر الخامس (9 آب – تقويم مدني) هو تذكار تدمير الهيكل الأوَّل (راجع إر 52: 12 – 13) وصوم الشَّهر الرَّابع (17 تموز – تقويم مدنيّ) تذكار اختراق أسوار أورشليم (إر 39: 2 – 3) وتَمَّ لاحقًا تضمين اختراق تيطُس الرُّومانيّ لأسوار المدينة.[2] وصوم الشَّهر العاشر (10 طيڨت – تقويم مدنيّ) تذكار حصار نبوخذ نصر لأورشليم (2مل 25: 1 – 2؛ إر 52: 4؛ حز 24: 1 – 2). واعتاد اليهودُ أنْ يصوموا «صوم أستير» في الثَّالث عشر من آذار قبل عيد الفوريم بيومٍ واحدٍ (أس 4: 16)، وصوم جداليا في الثَّالث من تشرين، تذكارًا لذبح جداليا (إر 41: 1 – 2).

وإلى جانب هذه الأصوام الجماعيَّة الواردة في أسفار العهد القديم، شَرَّع الرَّابيُّون العديد من الأصوام، على سبيل المثال: عشرة أيَّام للتَّوبة، من رأس السَّنة المدنيَّة وحتَّى يوم الكَفَّارة، ومن بعد عيدي الفِصح والمَظالِّ، يوصي الرَّابيُّون بصوم الاثنين والخميس ثُمَّ الاثنين الَّذي يليهما. والعديد من الأصوام الجماعيَّة الأُخرى ويُمكِن للقارئ الاطِّلاع عليها في موقع المكتبة اليهوديَّة الافتراضيَّة: https://www.jewishvirtuallibrary.org/fasting-and-fast-days

          إلى جانب هذه الأصوام الرَّسميَّة الجماعيَّة الَّتي وردَت في أسفار العهد القديم أو الَّتي شَرَّعها الرَّابيُّون، هُناك أصوام شخصيَّة وردَت أيضًا في أسفار العهد القديم، لأغراضٍ مُتعَدِّدة، مثلاً: لقبول الإعلان الإلهيّ، مثلما صامَ موسى النَّبيّ. وللتَّوبة، مثلما صام نحميا (نح 1: 4)، ودانيال (دا 9: 3)، ومن أجل طلبةٍ خاصَّة، مثلما صامَ داود الملك لأجلِ شفاءِ طفله المريض (2صم 12: 16)، ولنوال الفَهم، مثلما صام دانيال (دا 8: 27). هُناك العديد من الأصوام الشَّخصيَّة الَّتي يصومُها اليهودُ اليوم غير تلك المُدَوَّنة في الأسفار، مثل: صوم التَّذكار السَّنويّ لموت الوالدين أو المُعَلِّم، وصوم العروسَين يوم زفافِهما من الصَّباحِ وحتَّى الاحتفال، إلاَّ إذا وافق زفافُهما أوَّل الشَّهرِ. وإذا شاهَد اليهوديُّ سقوطَ نُسخةٍ من التَّوراةِ إلى الأرضِ، فيصومُ ذلك اليوم.[3]

          إذا وضعنا الإصحاح الثَّامن والخمسين من سِفر إشعياء في سياقهِ التَّاريخيّ بحسب النَّظرةِ التَّقليديَّة اليهوديَّة والمسيحيَّة للسِّفر باعتبارهِ مؤلَّفٍ واحدٍ لإشعياءَ النَّبيّ وينتمي لزمن ما قبل سبي يهوذا، فيكونُ الحديثُ الوارد عن الصَّوم إمَّا جماعيّ رسميّ يخُصُّ يوم الكَفَّارة، أو شخصيّ مثلما اعتادَ الكثيرونَ أنْ يصوموا. ومِمَّا يُعَزِّز إمكانيَّة أنْ يكونَ الحديث عن صوم يوم الكَفَّارة، هو قولُ الرَّبِّ عن مُدَّتهِ إنَّه «يوم» (راجع إش 58: 3، 4، 5).

القس برسوم مراد، أسيوط

2 أبريل 2024

 

 

[1] برسوم مراد، سر المسيح: تأمُّلات وشروحات في سفر اللاويين في ضوء تعليم القدِّيس كيرلّس الكبير (القاهرة: مدرسة الإسكندريَّة للدِّراسات المسيحيَّة، 2022)، 91.
[2] https://www.jewishvirtuallibrary.org/fasting-and-fast-days
[3]  أولوجيوس البرموسي، الحياة اليهودية في عصر المسيح (وادي النطرون: دير البرموس، 2008)، 182.

شارك المقال مع اخرين

اكتشف المزيد

أعياد
Rakoty CYCS

حياةٌ مِنَ الموت

حياةٌ مِنَ الموت إن فصل الإنجيل لقداس عيد القيامة المجيد والذي قُرأ علينا الآن (يو 20: 1-18) يتضمن مفارقة عجيبة؛ ألا وهي أن الكلمة الأكثر

روحية
Rakoty CYCS

لماذا هذا الموقف من آلام المسيح؟

آلام المسيح تغربلنا «وَقَالَ الرَّبُّ: «سِمْعَانُ، سِمْعَانُ، هُوَذَا الشَّيْطَانُ طَلَبَكُمْ لِكَيْ يُغَرْبِلَكُمْ كَالْحِنْطَةِ! وَلكِنِّي طَلَبْتُ مِنْ أَجْلِكَ لِكَيْ لاَ يَفْنَى إِيمَانُكَ. وَأَنْتَ مَتَى رَجَعْتَ ثَبِّتْ

روحية
Rakoty CYCS

إشعياء 58 – بركات قبول الصَّوم

رابعًا: بركات قبول الصَّوم «8 حِينَئِذٍ يَنْفَجِرُ مِثْلَ الصُّبْحِ نُورُكَ، وَتَنْبُتُ صِحَّتُكَ سَرِيعًا، وَيَسِيرُ بِرُّكَ أَمَامَكَ، وَمَجْدُ الرَّبِّ يَجْمَعُ سَاقَتَكَ [شَملك].9 حِينَئِذٍ تَدْعُو فَيُجِيبُ الرَّبُّ.

عايز تدرس معانا ؟

تصفح العديد من البرامج والدروس المتاحة