fbpx
Search
Close this search box.

إشعياء 58 – عتاب إلهي

ثانيًّا: عتاب إلهي

«1نَادِ بِصَوْتٍ عَال. لاَ تُمْسِكْ. اِرْفَعْ صَوْتَكَ كَبُوق وَأَخْبِرْ شَعْبِي بِتَعَدِّيهِمْ، وَبَيْتَ يَعْقُوبَ بِخَطَايَاهُمْ. 2 وَإِيَّايَ يَطْلُبُونَ يَوْمًا فَيَوْمًا، وَيُسَرُّونَ بِمَعْرِفَةِ طُرُقِي كَأُمَّةٍ عَمِلَتْ بِرًّا، وَلَمْ تَتْرُكْ قَضَاءَ إِلهِهَا. يَسْأَلُونَنِي عَنْ أَحْكَامِ الْبِرِّ. يُسَرُّونَ بِالتَّقَرُّبِ إِلَى اللهِ. 3 يَقُولُونَ: لِمَاذَا صُمْنَا وَلَمْ تَنْظُرْ، ذَلَّلْنَا أَنْفُسَنَا وَلَمْ تُلاَحِظْ؟ هَا إِنَّكُمْ فِي يَوْمِ صَوْمِكُمْ تُوجِدُونَ مَسَرَّةً، وَبِكُلِّ أَشْغَالِكُمْ تُسَخِّرُونَ. 4 هَا إِنَّكُمْ لِلْخُصُومَةِ وَالنِّزَاعِ تَصُومُونَ، وَلِتَضْرِبُوا بِلَكْمَةِ الشَّرِّ. لَسْتُمْ تَصُومُونَ كَمَا الْيَوْمَ لِتَسْمِيعِ صَوْتِكُمْ فِي الْعَلاَءِ. 5 أَمِثْلُ هذَا يَكُونُ صَوْمٌ أَخْتَارُهُ؟ يَوْمًا يُذَلِّلُ الإِنْسَانُ فِيهِ نَفْسَهُ، يُحْنِي كَالأَسَلَةِ رَأْسَهُ، وَيْفْرُشُ تَحْتَهُ مِسْحًا وَرَمَادًا. هَلْ تُسَمِّي هذَا صَوْمًا وَيَوْمًا مَقْبُولًا لِلرَّبِّ؟»

           يبتدئُ نشيدُ العتابِ هذا بدعوةِ الرَّبِّ إلى إشعياءَ النَّبيّ كمُراقبٍ أمينٍ يُبصِرُ الخطَر ويعرف أنْ يُنادي ويُحَذِّر، وليس كالأنبياءِ الكذَبة الَّذين دَعاهُم الرَّبُّ مُراقبينَ عُمي وبُكْم (راجع إش 56: 10). وعِتاب الرَّبِّ هُنا يَستعيدُ لنا ما وردَ بالإصحاحِ الأوَّل من السِّفر (راجع إش 1: 10 – 16). أوَّل السِّفر رفَضَ الرَّبُّ الأعيادَ والاحتفالاتَ والذَّبائِح، ودعاهُم إلى لقاءٍ للعِتابِ.. للتَّوبةِ والعودةِ بعلاقتِهم إلى المَسارِ الصَّحيح. وهُنا يرفُض الله الصَّوم وما يُصاحِبه من مُمارَساتِ إذلالِ النَّفسِ، كإنحناءِ الرَّأسِ ولبسِ المسوح وافتراشِ الرَّماد، لأنَّها شكليَّة ولا يُصاحِبها اتِّضاعُ قَلبٍ وامتناعُ عن فِعلِ الشَّرِّ. سبقَ للرَّبِّ أنْ قَبِلَ أصوامًا يُصاحِبُها مظاهر إذلال النَّفس، ولكنَّها كانت صادقة وعميقة إلى داخل القلب، مثلما قَبِلَ صوم أخآب ومذلَّته (1مل 21: 27 – 29) وشعب نينوى وملكها (يون 3: 5 – 10) الَّذين صرخوا إلى الرَّبِّ بشدَّةٍ ورجعوا عن طُرُقِهم الرَّديئةِ.

           إذن، رَفْضُ الرَّبِّ هُنا لصَومِ الشَّعبِ ومَظاهِر تذَلُلِهم كان لسبب الحياةِ المُزدَوجة؛ فالجسد يصوم عن الطَّعام والشَّراب ويلبس المسوح ويجلس على الرَّماد، وفي الوقت نفسه يشعلون الخُصومات والنِّزاعات ويُمارسون السُّخرة على الأُجراءِ[1] ويجمعون لأنفُسِهم كُلَّ ما يَسُرّ الجسد ويغدرون بعضهم ببعض بلكمة الشَّرِّ. الأمر الَّذي يستفزّ السَّماء هو أنَّهم يفعلون كُلَّ هذه الشُّرور وهُم صائمين! بل وأيضًا يُظهِرونَ أنفُسَهُم بمظَهرِ الشَّعبِ العارف الرَّبِّ؛ يسألونَ عن أحكام البِرِّ ويسعونَ وراءَ المعرفة الدِّينيَّة وكأنَّهُم يطلبونَ الله، وَيُظْهِرونَ كُلَّ سعادةٍ إذا ما سمعوا عن طُرُقِ الرَّبِّ!

          إنَّ الحديثَ والعِتابَ هُنا يتخطَّى حُدودَ الزَّمانِ والمَكانِ والسِّياقِ، ليصلَ إلى كُلِّ قارئ ومُستمعٍ للسِّفر، فالله هو هو أمسًا واليوم وإلى الأبد، ما كان يرفضه في القديم يرفضه اليوم أيضًا. وما لم يقبله من اليهود في الماضي، لن يقبله من المسيحيِّين اليوم وغدًا. وما رُفِضَ في مملكة يهوذا سابقًا، يرفضه الرَّبُّ حاليًا ومُستقبَلاً في كُلِّ بُقعةٍ من المسكونةِ. لذا تتلو علينا الكنيسة هذه الفصول في الصَّوم الكبير كُلّ عام.[2]

القس برسوم مراد، أسيوط

2 أبريل 2024

 
[1]  يفسِّرها الرابي اليهوديّ راشي من القرن الحادي عشر إنِّها تعني أنَّهم يُطالبون المديونين بسداد أقساط دَينهم في يوم الصَّوم. راجع: https://www.sefaria.org/Isaiah.58.6?lang=en&with=Rashi&lang2=en&p3=Rashi_on_Isaiah.58.5.1&lang3=en&w3=About&lang4=en
[2]  تقرأ علينا الكنيسة (إش 1: 2 – 18) في أوَّل أيَّام الصَّوم الأربعينيّ المُقدَّس، و(إش 58: 1 – 11) في يوم الأربعاء من الأسبوع السَّابع والأخير من الصَّوم نفسه.

شارك المقال مع اخرين

اكتشف المزيد

أعياد
Rakoty CYCS

حياةٌ مِنَ الموت

حياةٌ مِنَ الموت إن فصل الإنجيل لقداس عيد القيامة المجيد والذي قُرأ علينا الآن (يو 20: 1-18) يتضمن مفارقة عجيبة؛ ألا وهي أن الكلمة الأكثر

روحية
Rakoty CYCS

لماذا هذا الموقف من آلام المسيح؟

آلام المسيح تغربلنا «وَقَالَ الرَّبُّ: «سِمْعَانُ، سِمْعَانُ، هُوَذَا الشَّيْطَانُ طَلَبَكُمْ لِكَيْ يُغَرْبِلَكُمْ كَالْحِنْطَةِ! وَلكِنِّي طَلَبْتُ مِنْ أَجْلِكَ لِكَيْ لاَ يَفْنَى إِيمَانُكَ. وَأَنْتَ مَتَى رَجَعْتَ ثَبِّتْ إِخْوَتَكَ»

عايز تدرس معانا ؟

تصفح العديد من البرامج والدروس المتاحة