يقول القديس البابا أثناسيوس الرسولي عن صعوبة الإحاطة بكل أعمال المسيح بالجسد من أجلنا:
وباختصار فإن الأعمال التي حققها المُخَلِّص بتأنسه عظيمة جدًا في نوعها وكثيرة في عددها، حتى إذا أراد أحد أن يحصيها فإنه يصير مثل الذين يتفرسون في عرض البحر ويريدون أن يحصوا أمواجه. لأنه كما أن الإنسان لا يستطيع أن يحصي كل الأمواج بعينيه، لأن الأمواج تتابع بطريقة تبلبل ذهن كل من يحاول ذلك، هكذا من يحاول أن يحصي كل أعمال المسيح في الجسد، فمن المستحيل أن يدركها كلها إذ أن الأعمال العظيمة التي تفوق ذهنه هي أكثر من تلك التي يظن أنه قد أدركها.[1]
وربما هذا ما يفسر لماذا عَبَّرَ القديس بولس الرسول عن هذا الخلاص بقوله: «….خَلاَصًا هذَا مِقْدَارُهُ» (عب 2: 3). يقول المطران كاليستوس وير:
في البداية، إذا نظرنا إلى العهد الجديد، فلن نجده يُقدِّم طريقة واحدة فقط لفهم العمل الخلاصي للمسيح، أو حتى نظرية منهجيِّة واحدة. ولكننا سنجد مجموعة متكاملة من الصور والرموز موضوعة جنبًا إلى جنب. وتلك الصور لها معانٍ عميقة وقوية. وفي أغلب الأحيان لم تُشرح تلك الصور، ولكنها تُركت لتتحدث عن نفسها. فإذا أردنا أن نفهم عمل المسيح، فمن الأفضل أن نتبع ما قدَّمه به العهد الجديد، إذ يكوِّن في ذهننا العديد من هذه الصور المختلفة. ولكن يجب علينا ألا نعزل أي صورة منها عن الأخرى، بل أن نضعهم جنبًا إلى جنب، ويكون شعارنا هو «الأمان في تعدد الصور».[2]
ويمكن للقارئ أن يستدعي من ذهنه الروحي ومن حصيلة قراءته في الكتاب المقدس ومن الصلوات الليتورجية، العديد من هذه الصور والنماذج:
- المسيح الذبيحة
- الموت النيابي للمسيح عن البشر (البدلية)
- المسيح الفدية والمسيح المحرر
- المسيح رئيس الكهنة الأعظم
- المسيح الغالب
- المبادلة الخلاصية – الخلاص خدمة شفاء
- المسيح آدم الثاني
- المسيح المُصالِح
- المسيح بموته يحررنا من الخطية والناموس، وبقيامته يهبنا الحياة الجديدة.
ويقول نيافة أنبا رافائيل أسقف كنائس وسط القاهرة:
لذلك، فإنه من الخطأ الجسيم، أن يُنظَر إلى عمل المسيح الخلاصي، في اتجاه واحد، ورؤية واحدة منعزلة عن الخبرة الكنسية الجماعية، والرؤى التفسيرية الممتدة للآباء الأولين. فهناك أوجه متعددة قد كُشفت لنا عبر هؤلاء. فليس الطريق للاقتراب من هذا السر ومحاولة فهمه، أحاديًّا، بل هو طريق متعدد المداخل، أو بالأحرى طرق متنوعة نستطيع من خلالها معًا أن نقترب بخشوع من فهم وإدراك سر المسيح.[3]
- المسيحُ آدم الثاني
«وَكلُّ إثمٍ يَسدُّ فاه» (مز 107: 42) – تَفَوُّقُ النعمةِ
«لم يظل العالم بدون معونة:
فلقد مُحيت الخطية، وطُرح الشيطان، وأُبيد الموت».
القديس كيرلس الكبير
«لم نحصل على قدر بسيط من النعمة يكفي فقط لمحو الخطية،
بل حصلنا على فيض النعمة»
القديس يوحنا ذهبي الفم
في واحدة من أصعب النصوص التي تشرح جانبًا من الجوانب المتعددة لمفاعيل صليب المسيح، يشرح القديس بولس الرسول في الإصحاح الخامس من رسالته لرومية الفارق الشاسع بين ضرر الخطية الذي أصابنا في آدم، وبين غنى النعمة التي أُعطيت لنا في عمل المسيح الخلاصي (رو 5: 12 – 21). رغم إن الكتاب المقدس لا ينكر حجم الضرر الرهيب الذي أصاب البشر نتيجة لخطية آدم، والذي عَبَّرَ عنه هنا القديس بولس الرسول بالعديد من الحقائق، على سبيل المثال:
- «مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، بالذي جميعهم خطئوا فيه[4] [إذ أخطأ الجميع]» (رو 5: 12).
- «بِخَطِيَّةِ الْوَاحِدِ قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ بِالْوَاحِدِ» (رو 5: 17أ).
- «بِخَطِيَّةٍ وَاحِدَةٍ صَارَ الْحُكْمُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ لِلدَّيْنُونَةِ» (رو 5: 18أ).
- «بِمَعْصِيَةِ الإِنْسَانِ الْوَاحِدِ جُعِلَ الْكَثِيرُونَ خُطَاةً» (رو 5: 19أ).
بالطبع يدور الحديث المؤسف هنا عن آدم الأول والذي كنا فيه وأخطأنا فيه كطبيعة بشرية[5]، فورثنا عنه الطبيعة الفاسدة الساقطة (الإنسان العتيق – جسد الخطية)، وحكم الدينونة، فَسَادَ (مَلَكَ)علينا الموت واللعنة «مثل النبات الذي عندما يفسد من جذوره، هكذا وبالضرورة، تذبل الأغصان التي نبتت منه»[6]. واِستعبدنا بإرادتنا لخطايا كثيرة.
نعود لنقول رغم إن الكتاب المقدس لا ينكر حجم الضرر الرهيب الذي أصاب البشر نتيجة لخطية آدم، وكذلك آباء الكنيسة، إلا أن هذا الضرر لا يمكن أن يقف في المقارنة أمام غنى النعمة التي أُعطيت لنا في المخلص «آدم الثاني»، والذي صار بتجسده جذرًا جديدًا للبشرية، يشفي الفساد الذي أصابها من جذرها القديم، ويرفع عنها حكم الموت والدينونة واللعنة. وهذا ما عَبَّرَ عنه القديس بولس الرسول بالعديد من الأخبار السارة:
- «وَلكِنْ لَيْسَ كَالْخَطِيَّةِ هكَذَا أَيْضًا ْهِبَةُ النعمة» (رو 5: 15أ).
- «لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ وَاحِدٍ مَاتَ الْكَثِيرُونَ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا نِعْمَةُ اللهِ، وَالْعَطِيَّةُ بِالنِّعْمَةِ الَّتِي بِالإِنْسَانِ الْوَاحِدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، قَدِ ازْدَادَتْ لِلْكَثِيرِينَ!» (رو 5: 15 ب،ج،د)
يشرح القديس كيرلس الكبير هذه الأخبار السارة ويقول:
وكأنه يقول: لقد حُكِمَ علينا بالموت بسبب تعدي آدم، بما أنه هو بكر البشرية، فالطبيعة البشرية كلها قد اِرتكبت هذه الخطية فيه [آدم]؛ وَأَمَّا في المسيح، فإنَّ الحياة قد عادت فينا. كان آدم رمزًا لآدم الآتي، أي رمز للمسيح الذي أحضر لنا نعمة متساوية [القدر] مع حماقة أسلافنا. وفي ضوء هذه الكلمات، يثور التساؤل: …. هل هبة النعمة مثلها مثل السقوط؟ إذا كان الموت قد دخل بإنسانٍ واحدٍ، وقد أحدث ذلك تأثيرًا كبيرًا؛ ألا يكون للحياة التي أتى بها إلينا إنسانٌ واحدٌ، هكذا بالمثل، ذات التأثير الكبير هي أيضًا؟ بالطبع يمكننا بملء الحق أن نؤكد على أنه إذا كان بسبب سقوط واحد فقط مات كثيرون، فبالأحرى جدًا تكون نعمة الله، وهبة نعمة الإنسان الوحيد يسوع المسيح قد أدركتا بفيضٍ الكثيرين. لأن الخالق في محبته للبشر ….لن يسمح بأن تظل الحياة التي أتى بها إلينا إنسانٌ واحدٌ بلا تأثير: فالنعمة [إذن] ستفوق الغضب.[7]
- «وَلَيْسَ كَمَا بِوَاحِدٍ قَدْ أَخْطَأَ هكَذَا الْعَطِيَّةُ. لأَنَّ الْحُكْمَ مِنْ وَاحِدٍ لِلدَّيْنُونَةِ، وَأَمَّا الْهِبَةُ فَمِنْ جَرَّى خَطَايَا كَثِيرَةٍ لِلتَّبْرِيرِ» (رو 5: 16).
يعلق القديس كيرلس على هذا العدد:
إذا كانت الدينونة قد نشأت بسبب فعل إنسانٍ واحدٍ فقط [آدم]، وقد امتدت إلى الجميع نظرًا للشبه الذي بيننا وبينه، لأن الفساد -كما سبق وقلت- قد نالَ من جذر ذريتنا، فكيف يمكن أن يتعارض مع إيماننا، أو يكون غير مقبول عند الله أن يتبرر الكثيرون مِنْ سقطاتٍ كثيرة بفضل بر [إنسان] واحدٍ [المسيح]؟ كذلك، ألا يُفَضِّل الله أن يُخَلِّصَ بدلًا من أن يُضيّعَ؟ …. على نفس هذا الدرب، نقول إنه، بعد أن تبرر المسيح، أي آدم الثاني، كذلك وبنفس الطريقة بلغنا التبرير نحن أيضًا دون أن يخيب. نقول إن المسيح قد تبرر، دون أن يعني ذلك أنه لم يكن بارًا دائمًا، ثم تغير فنال البر بشكلٍ تدريجي، بل المقصود أن المسيح هو الإنسان الأول والوحيد على الأرض الذي لم يفعل خطية، ولا وُجد في فمه غش.[8]
- لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ الْوَاحِدِ قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ بِالْوَاحِدِ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا الَّذِينَ يَنَالُونَ فَيْضَ النِّعْمَةِ وَعَطِيَّةَ الْبِرِّ، سَيَمْلِكُونَ فِي الْحَيَاةِ بِالْوَاحِدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ! (رو 5: 17).
القديس بولس الرسول يؤكد بتعبيرات مختلفة حقيقة واحدة وهي أن فيض النعمة التي لنا في المسيح آدم الثاني تجاوز بما لا يُقاس اللعنة والموت والدينونة التي أصابتنا بخطية آدم، والتعبير في العدد الحالي هو «فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا». يقول القديس كيرلس:
القديس بولس الرسول يؤكد بتعبيرات مختلفة حقيقة واحدة وهي أن فيض النعمة التي لنا في المسيح آدم الثاني تجاوز بما لا يُقاس اللعنة والموت والدينونة التي أصابتنا بخطية آدم، والتعبير في العدد الحالي هو «فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا». يقول القديس كيرلس:
اُنظر مرةً أخرى، كيف أن تبرير النعمة يفوق بكثير دينونة اللعنة. يقول، إن أحدًا لا يستطيع، بشكل منطقي، أن يعتبر أن الموت الذي دخل بسبب إنسان واحد كان ذو تأثير كبير على الأرض، بينما ظلت الحياة غير فعالة: بل نقول بالأكثر، إن الذين لهم النعمة بواسطة المسيح، كما أن لهم هبة البر من السخاء الإلهي، سوف يقبلون قوة الموت، وسوف يتجددون مع المسيح الذي يحي الكون.[9]
ويقول القديس يوحنا ذهبي الفم:
لم نحصل على قدر بسيط من النعمة يكفي فقط لمحو الخطية، بل حصلنا على فيض النعمة. لأنه بالحقيقة قد أُنقذنا من الجحيم، وابتعدنا عن الشر، وولدنا مرة أخرى من الله. بل وأقامنا، مدام أن إنساننا العتيق قد دُفن، وخلصنا وتبررنا، وصرنا أبناء، وتقدسنا وأصبحنا إخوة للابن الوحيد الجنس، وورثة معه، واتحدنا معًا في جسدٍ واحدٍ، وإلى هذا الجسد نحن ننتمي، وكما أن الجسد متحد بالرأس، هكذا اِتحدنا نحن أيضًا به (أي بالابن). كل هذا دعاه الرسول بولس “فيض النعمة” مظهرًا هكذا أننا لم نحصل فقط على ما يضمد الجرح، لكن حصلنا على شفاء وجمال وكرامة، وعلى رتب تفوق كثيرًا طبيعتنا الفانية. وكل أمر من هذه الأمور، كان كافيًّا وحده أن يبطل الموت، إلا أنه عندما يتضح أن كل هذه الأمور قد ساعدت معًا في إبطاله، فلن يكون له أثر بعد ذلك، ولن يكون ممكنًا أن يخيم بظلاله حولنا، طالما أنه قد انتهى كلية. تمامًا كما لو أن شخصًا قد وضع آخر في السجن لأنه مديون له بعشرة فلسات، وليس هذا فقط، بل ووضع في السجن أيضًا زوجته وأولاده وخدامه، بسبب هذا الدين، ثم أتى شخصٌ آخر ودفع ليس فقط عشرة فلسات، بل ومنح آلاف العملات الذهبية، وقاد السجين إلى الحاشية الملكية وإلى عرش السلطة العليا، وجعله شريكًا في الكرامة السامية وفي الأمور الأخرى المشرقة، فيصير من غير الممكن أن يتذكر بعد ذلك الفلسات التي اِقترضها. هذا ما حدث لنا، لأن المسيح دفع أكثر جدًا من قيمة الدين الذي كان علينا. وما دفعه كان عظيمًا جدًا، بقدر اتساع البحر إذا ما قورن بنقطة ماء صغيرة. إذًا ينبغي عليك أيها الإنسان ألا تشك في شيء عندما ترى كل هذا الغنى الوفير من الخيرات، ولا تفحص كيف اِنطفأت شرارة الموت والخطية، عندما غمر هذا البحر الكبير من الهبات الوفيرة هذه الشرارة المتقدة.[10]
- فَإِذًا كَمَا بِخَطِيَّةٍ وَاحِدَةٍ صَارَ الْحُكْمُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ لِلدَّيْنُونَةِ، هكَذَا بِبِرّ وَاحِدٍ صَارَتِ الْهِبَةُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، لِتَبْرِيرِ الْحَيَاةِ. 19 لأَنَّهُ كَمَا بِمَعْصِيَةِ الإِنْسَانِ الْوَاحِدِ جُعِلَ الْكَثِيرُونَ خُطَاةً، هكَذَا أَيْضًا بِإِطَاعَةِ الْوَاحِدِ سَيُجْعَلُ الْكَثِيرُونَ أَبْرَارًا (رو 5: 18 – 19).
يقول الأب متى المسكين:
ولكن القديس بولس يحاول أن يثبت أن ما أفسده آ دم لم يُصلحه المسيح فقط، بل إنه تعدى مسألة الإصلاح بكثير. فالخطية التي أحدرها آدم إلى الطبيعة لم يرفعها المسيح وحسب، بل وغرس مكانها النعمة. أما الموت الذي حلَّ كعقوبة فلم يرفعه المسيح فحسب، بل وغرس عوضه في طبيعة الإنسان الحياة الأبدية، حياة الله. والدينونة التي وقع فيها الناس بسبب الخطية لم يُعفِ المسيح الإنسان منها وحسب أي لم يمنح البراءة فقط، بل ومنح بر الله أي التبرير، إذ يُحسب الإنسان أنه ليس بريئًا فقط، بل وبار أيضًا أمام الله…. إن الخطية بسلبياتها وآثارها المدمرة لا تُقارن بأي حال من الأحوال مع عظمة النعمة. كذلك الدينونة بكل مرعباتها لا يمكن أن تُقارن في سلبيتها وخسارتها بما يعمله التبرير للحياة. كذلك لا يمكن أن يُقارن الموت كعقوبة الذي ملك على الجميع بكل خسارته وخوفه ورعبه بتملك الحياة الأبدية في المسيح.[11]
- يا لعمق غنى وحكمة ومحبة الله
+ اِفرحوا وتهللوا: يا جنس البشر: لأنه هكذا: أحب الله العالم.
+ حتى بذل: ابنه الحبيب: عن المؤمنين به: لكي يحيوا إلي الأبد.
+ لأنه غلب: من تحننه: وأرسل لنا: ذراعه العالية.
ثيؤتوكية الاثنين – القطعة الخامسة
قد يبدو من التسلسل التاريخي للأحداث أن التجسد والصليب والقيامة والصعود قد جاءت كاستجابة إلهية لمأساة البشر بالسقوط، ولكن في حقيقة الأمر إن الله كان يعلم مُسبقًا بالسقوط المزمع أن يحدث، ورتب للبشر ما يليق بمحبته وغنى نعمته لهم، رتب أن يكونوا في المسيح يسوع ابنه الوحيد والحبيب، وهذا ما يقوله القديس بولس الرسول في أكثر من موضع:
- «الَّذِي خَلَّصَنَا وَدَعَانَا دَعْوَةً مُقَدَّسَةً، لاَ بِمُقْتَضَى أَعْمَالِنَا، بَلْ بِمُقْتَضَى الْقَصْدِ وَالنِّعْمَةِ الَّتِي أُعْطِيَتْ لَنَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ قَبْلَ الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ، وَإِنَّمَا أُظْهِرَتِ الآنَ بِظُهُورِ مُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي أَبْطَلَ الْمَوْتَ وَأَنَارَ الْحَيَاةَ وَالْخُلُودَ بِوَاسِطَةِ الإِنْجِيلِ.» (2 تي 1: 9- 10).
- «3 مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بَارَكَنَا بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ، 4 كَمَا اخْتَارَنَا فِيهِ قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، لِنَكُونَ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ قُدَّامَهُ فِي الْمَحَبَّةِ، 5 إِذْ سَبَقَ فَعَيَّنَنَا لِلتَّبَنِّي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ لِنَفْسِهِ، حَسَبَ مَسَرَّةِ مَشِيئَتِهِ» (أف 1: 3 – 5).
يُعَلِّق القديس كيرلس الكبير على (أف 1: 3 – 5) ويقول:
إذن، فإذا كنا -قبل أن نُخلَق- قد عُيِّنا للتبني للآب بواسطة يسوع المسيح، وبوركنا ببركات روحية في السماويات، كيف يمكن لأحد وهو يسمع ابن الله يقول: «منذ الأزل مُسحت (أُسست)[12]»، ألا يدرك أنه يقول هذه الأقوال في إطار معرفة الآب السابقة، والتي وفقها، طالما سبق فعرفنا، سبق فدعانا لهذه المعرفة، وأخذنا كل بركة قبل أن نكون قد جئنا إلى الوجود، بل خُلقنا بعد ذلك بسنين عديدة؟ …. إذن فقد أُسس المسيح قبلنا، وكلنا نحن بنينا فوقه، وقد صار هذا وفق معرفة الله السابقة، الذي يعرف الكل، قبل خلق العالم، للدرجة التي معها -كما قلنا سابقًا- يكون لنا بركة أقدم من اللعنة، ويكون لنا وعد بالحياة، أقدم من الإدانة بالموت، وحرية البنوة أيضًا تكون لنا أقدم من عبودية الشيطان. وتأتي طبيعتنا مرة أخرى إلى الحالة القديمة الأولى، طالما انتصر (المسيح) على ما حدث في الفترة البينية (ما بين السقوط والفداء)، هكذا صارت الطبيعة البشرية بسبب نعمة ذاك الذي أسسها بالمسيح في الصالحات، مرة ثانية إلى الحالة التي كانت وفق معرفة الله السابقة، الحالة التي كانت معينة بواسطة محبة الابن مسبقًا لأجل كل الأمور الحسنة.[13]
إنه فكر الإنسان يعجز عن اِستيعاب هذه المحبة الإلهية الفائقة للمعرفة من نحونا نحن البشر. النفس التي تتوقف أمام هذه الإعلانات الإلهية والعطايا والهبات الفائقة التي أُعطيت لنا في المسيح ستنهض حتمًا للتسبيح:
- «مَاذَا أَرُدُّ لِلرَّبِّ مِنْ أَجْلِ كُلِّ حَسَنَاتِهِ لِي؟ 13 كَأْسَ الْخَلاَصِ أَتَنَاوَلُ، وَبِاسْمِ الرَّبِّ أَدْعُو» (مز116: 12 – 13).
- «31 فَمَاذَا نَقُولُ لِهذَا؟ إِنْ كَانَ اللهُ مَعَنَا، فَمَنْ عَلَيْنَا؟ 32 اَلَّذِي لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ابْنِهِ، بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ، كَيْفَ لاَ يَهَبُنَا أَيْضًا مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ؟ 33 مَنْ سَيَشْتَكِي عَلَى مُخْتَارِي اللهِ؟ اَللهُ هُوَ الَّذِي يُبَرِّرُ. 34 مَنْ هُوَ الَّذِي يَدِينُ؟ اَلْمَسِيحُ هُوَ الَّذِي مَاتَ، بَلْ بِالْحَرِيِّ قَامَ أَيْضًا، الَّذِي هُوَ أَيْضًا عَنْ يَمِينِ اللهِ، الَّذِي أَيْضًا يَشْفَعُ فِينَا. 35 مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟ أَشِدَّةٌ أَمْ ضِيْقٌ أَمِ اضْطِهَادٌ أَمْ جُوعٌ أَمْ عُرْيٌ أَمْ خَطَرٌ أَمْ سَيْفٌ؟ 36 كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «إِنَّنَا مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ كُلَّ النَّهَارِ. قَدْ حُسِبْنَا مِثْلَ غَنَمٍ لِلذَّبْحِ». 37 وَلكِنَّنَا فِي هذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِي أَحَبَّنَا. 38 فَإِنِّي مُتَيَقِّنٌ أَنَّهُ لاَ مَوْتَ وَلاَ حَيَاةَ، وَلاَ مَلاَئِكَةَ وَلاَ رُؤَسَاءَ وَلاَ قُوَّاتِ، وَلاَ أُمُورَ حَاضِرَةً وَلاَ مُسْتَقْبَلَةً، 39 وَلاَ عُلْوَ وَلاَ عُمْقَ، وَلاَ خَلِيقَةَ أُخْرَى، تَقْدِرُ أَنْ تَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا» (رو 8: 31- 39).
- «يُغَنِّي بَيْنَ النَّاسِ فَيَقُولُ: قَدْ أَخْطَأْتُ، وَعَوَّجْتُ الْمُسْتَقِيمَ، وَلَمْ أُجَازَ عَلَيْهِ. 28 فَدَى نَفْسِي مِنَ الْعُبُورِ إِلَى الْحُفْرَةِ، فَتَرَى حَيَاتِيَ النُّورَ» (أي 33: 27 – 28).
- «لأَنِّي أَنَا قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ الرَّبَّ عَظِيمٌ، وَرَبَّنَا فَوْقَ جَمِيعِ الآلِهَةِ» (مز 135: 5).
القس برسوم مراد
مدرسة راكوتي
الثلاثاء 15 أبريل 2025 م
[1] أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة، ترجمة د. جوزيف موريس فلتس (القاهرة: المركز الأرثوذكسي لدراسات الآباء، 2003)، 160.
[2] Kallistos Ware, «Salvation in Christ,» Lecture presented in the course The Way, The Institute for Orthodox Christian Studie, (U.K.).
[3]رافائيل (الأنبا)، تدبير الخلاص: حسب الكنيسة الجامعة (القاهرة: أسقفية الشباب، 2022)، 33 – 34.
[4] رافائيل (الأنبا)، تدبير الخلاص: حسب الكنيسة الجامعة (القاهرة: أسقفية الشباب، 2022)، 90 – 91.
[5] يقول القديس كيرلس: لقد حُكم علينا بالموت بسبب تعدي آدم، بما أنه هو بكر البشرية، فالطبيعة البشرية كلها قد اِرتكبت هذه الخطية فيه [آدم]. اُنظر: شرح رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية: شذرات للقديس كيرلس الإسكندري، ترجمة د. ليديا عادل حنا (القاهرة: جذور للنشر والتوزيع، 2023)، 63.
[6] المرجع السابق، 61.
[7] المرجع السابق، 63 – 64.
[8] المرجع السابق، 64 – 65.
[9] المرجع السابق، 65 – 66.
[10] يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، ترجمة د. سعيد حكيم يعقوب (القاهرة: مؤسسة القديس أنطونيوس، 2013)، 250 – 251.
[11] متى المسكين، شرح رسالة القديس بولس الرسول إلى أهل رومية (دير القديس أنبا مقار بوادي النطرون: المؤلف، 1992)، 283 – 284.
[12] » اَلرَّبُّ قَنَانِي أَوَّلَ طَرِيقِهِ، مِنْ قَبْلِ أَعْمَالِهِ، مُنْذُ الْقِدَمِ. مُنْذُ الأَزَلِ مُسِحْتُ، مُنْذُ الْبَدْءِ، مُنْذُ أَوَائِلِ الأَرْضِ. إِذْ لَمْ يَكُنْ غَمْرٌ أُبْدِئْتُ. إِذْ لَمْ تَكُنْ يَنَابِيعُ كَثِيرَةُ الْمِيَاهِ. 25 مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقَرَّرَتِ الْجِبَالُ، قَبْلَ التِّلاَلِ أُبْدِئْتُ. إِذْ لَمْ يَكُنْ قَدْ صَنَعَ الأَرْضَ بَعْدُ وَلاَ الْبَرَارِيَّ وَلاَ أَوَّلَ أَعْفَارِ الْمَسْكُونَةِ» (أم 8: 22 – 26).
[13] كيرلس الكبير، الكنوز في الثالوث، ترجمة د. جورج عوض إبراهيم (القاهرة: مؤسسة القديس أنطونيوس، 2011)، 265 – 266.