لا أترككم يتامى . إني آتي إليكم (يو 14: 18) [1]
إن كان الروح بسكناه فينا يجعلنا هياكل لله، فكيف لا يكون الروح من الله أي من جوهره، وهو الذي يجعل الله يسكن فينا بواسطة ذاته؟ لذلك، إذًا، فإن الابن الوحيد لكي يوضح لنا أن الروح ليس غريبًا عن طبيعة الابن الخاصة، فإنه بعد أن قال إن المعزي سيُرسل من الآب إلى القديسين، فهو يَعد بأنه سيأتي هو نفسه ويملأ مكان أب، لكي لا يكونوا مثل يتامى محرومين من معونة من يقف معهم ليساندهم، ولهذا السبب يكونون معرَّضين بسهولة للسقوط في فخاخ الشيطان، وبسهولة يُهاجمون بشدة من العثرات التي في العالم لأنها كثيرة وهي تحدث بالضرورة بسبب الجنون غير المحكوم لأولئك الذين يسببون هذه العثرات.
لذلك، فإن الآب قد أعطانا روح المسيح لكي يكون ترسًا لنا وحماية غير متزعزعة لأنفسنا، وذلك لكي يهبنا ويحقق فينا نعمته وحضوره وقوته. لأنه كان من المستحيل على روح الإنسان أن تعمل ما هو صالح، أو أن يكون لها سلطان على شهواتها، أو أن تهرب من الخبث الكبير لفخ الشيطان، لو لم تأخذ قوة بواسطة نعمة الروح القدس، ولو لم يكن لها المسيح نفسه ساكنًا فيها بسبب الروح نفسه.
والمرنم المُلهم قدَم لنا بالحكمة المعطاة له تشكراته بهذا الخصوص، صارخًا إلى الله بصوت عالي: «يا رب، كأنه بترس تحيطنا بالرضا» (مز 5: 12س)، ويقصد «بترس الرضا» ليس شيئًا آخر سوى الروح القدس الذي يحرسنا، ويحصرنا، بواسطة العطايا ذات القوة التي تفوق توقعاتنا، لأجل تحقيق مسرة الله الصالحة، وهكذا فهو يعد أنه سيكون حاضرًا، وسيساعد بواسطة الروح أولئك الذين يؤمنون به، رغم صعوده إلى السماء عينها بعد قيامته من بين الأموات، «ليظهر الآن أمام وجه الله لأجلنا» (عب 9: 24) كما يقول بولس.
[1] كيرلس الكبير، شرح إنجيل يوحنا. ترجمة د. نصحي عبد الشهيد (القاهرة، المركز الأرثوذكسي لدراسات الآباء، 2012)، 204، 5.