أحد الهتاف طلبًا للخلاص
إن يوم دخول المسيح الأخير إلى أورشليم قبل الصليب بستة أيام، قد اِحتلَّ مكانة كبيرة في عبادة الكنيسة وطقسها؛ فهو أحد الأعياد السيدية الكبرى، وله لحنه الخاص به والمسمى باسمه «الشعانيني» من الكلمة العبرية «هوشيعنا» أي: آه خلصنا! أو آه أعنَّا! ومقطع «نا» الذي يختم النداء يدل على شدة الاحتياج.[1] ويتزين الصليب بأغصان الزيتون رمز السلام وأغصان النخيل رمز الانتصار. ويُقرأ إنجيلُ القداس من الأربعة البشاير والذي يتضمن موكب دخول المسيح إلى أورشليم المتواضع والبسيط في مظهره[2] والملوكي الخلاصي في جوهره[3]، وهتاف الجماهير الذي اعتادوا أن يستخدموه في عيدي الفصح والمظال والمقتبس أصلًا من مزمور 118: 25 «آهِ يَا رَبُّ خَلِّصْ! آهِ يَا رَبُّ أَنْقِذْ! 26 مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ.»[4] فكلمة أوصنا هي كتابة الكلمة العبرية هوشيعنا بحروف يونانية
وَالْجُمُوعُ الَّذِينَ تَقَدَّمُوا وَالَّذِينَ تَبِعُوا كَانُوا يَصْرَخُونَ قَائِلِينَ: «أُوصَنَّا لابْنِ دَاوُدَ! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ! أُوصَنَّا فِي الأَعَالِي!» مت 21: 9
وَالَّذِينَ تَقَدَّمُوا، وَالَّذِينَ تَبِعُوا كَانُوا يَصْرُخُونَ قَائِلِينَ: «أُوصَنَّا! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ! 10 مُبَارَكَةٌ مَمْلَكَةُ أَبِينَا دَاوُدَ الآتِيَةُ بِاسْمِ الرَّبِّ! أُوصَنَّا فِي الأَعَالِي!» مر 11: 9 – 10.
وَلَمَّا قَرُبَ عِنْدَ مُنْحَدَرِ جَبَلِ الزَّيْتُونِ، ابْتَدَأَ كُلُّ جُمْهُورِ التَّلاَمِيذِ يَفْرَحُونَ وَيُسَبِّحُونَ اللهَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، لأَجْلِ جَمِيعِ الْقُوَّاتِ الَّتِي نَظَرُوا، 38 قَائِلِينَ: «مُبَارَكٌ الْمَلِكُ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ! سَلاَمٌ فِي السَّمَاءِ وَمَجْدٌ فِي الأَعَالِي!» لو 19: 37 – 38.
وَفِي الْغَدِ سَمِعَ الْجَمْعُ الْكَثِيرُ الَّذِي جَاءَ إِلَى الْعِيدِ أَنَّ يَسُوعَ آتٍ إِلَى أُورُشَلِيمَ، 13 فَأَخَذُوا سُعُوفَ النَّخْلِ وَخَرَجُوا لِلِقَائِهِ، وَكَانُوا يَصْرُخُونَ: «أُوصَنَّا! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ! مَلِكُ إِسْرَائِيلَ!» 14 وَوَجَدَ يَسُوعُ جَحْشًا فَجَلَسَ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: 15 «لاَ تَخَافِي يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي جَالِسًا عَلَى جَحْشٍ أَتَانٍ» يو 15: 12 – 15.
ومِنْ أهمية هذا العيد في الكنيسة، إنها ضَمَّنت النبوات التي تتحدث عنه في قراءات اليوم السابق له أي سبت لعازر:
يهوذا…. رَابِطًا بِالْكَرْمَةِ جَحْشَهُ، وَبِالْجَفْنَةِ ابْنَ أَتَانِهِ (تك 49: 11)
اِفرحي جدًا يا ابنة صهيون. اِكرزي يا ابنة أورشليم. هوذا ملكك يأتي إليك، وهو بارٌ ومخلصٌ، وديعٌ وَرَاكبٌ على حمار وَجَحشٍ صغيرٍ.[5] (زك 9: 9 سبعينية)[6]
اِفرحي جدًا يا ابنة صهيون، اِكرزي يا ابنة أورشليم. اِبتهجي وتهللي من كل قلبك، يا ابنة أورشليم. قد نزع الرب آثامك، قد فداكِ من يد أعدائك. ملك إسرائيل في وسطكِ…. الرب إلهكِ فيكِ، جبارٌ سيخلصكِ، يفيض عليكِ ابتهاجًا، وَيُجددكِ في محبته، …. ويلٌ! مَنْ أخذَ عليها قباحةً؟ هاءنذا [هأنذا] أعملُ فيكِ من أجلكِ.[7] (صف 3: 14 – 19 سبعينية).
لنعود إلى موقف الجماهير لنفهمه؛ حتى يمكننا أن نفهم يومنا هذا وعيدنا هذا. كانت أورشليم واليهودية تتمتع ببعض من الإمتيازات من سلطات الاحتلال الروماني مثل الحرية الدينية وحرية العبادة في الهيكل وتطبيق شرائع الناموس والذبائح، ولكن من ناحية أخرى كانت أورشليم بل واليهودية والجليل تحت الحكم المباشر للسلطات الرومانية وكثيرًا ما عانى الشعب من الضرائب الثقيلة والجزية ومن القتل المروع والظلم. كان رؤساء الكهنة يرون في هذه الحرية الدينية والعبادة في الهيكل بما تتضمنه من مراكز وكرامات دنيوية ومكتسبات مادية غنائم يخشون خسارتها أمام المستعمر الروماني الذي كان يسمح بها. لذا خشي هؤلاء جدًا من شعبية يسوع المتزايدة والمناداة فيه بإنه الماسيا المنتظر، لئلا يؤدي هذا إلى قلق المستعمر الروماني، فيأتي ويبسط نفوذه من جديد على الهيكل والمدينة« فَجَمَعَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْفَرِّيسِيُّونَ مَجْمَعًا وَقَالُوا: «مَاذَا نَصْنَعُ؟ فَإِنَّ هذَا الإِنْسَانَ يَعْمَلُ آيَاتٍ كَثِيرَةً. 48 إِنْ تَرَكْنَاهُ هكَذَا يُؤْمِنُ الْجَمِيعُ بِهِ، فَيَأْتِي الرُّومَانِيُّونَ وَيَأْخُذُونَ مَوْضِعَنَا وَأُمَّتَنَا» يو 11: 47 – 48
إذًا الجماهير ترى في يسوع محررًا ومنقذًا ومخلصًا لهم من الحكم الروماني ومنقيًّا للحياة الدينية التي تلوثت بالرياء والانتفاعية؛ لذلك صرخوا له هوشيعنا (أوصنا) آه خلِّص! آه أعن الآن! آه اِنقذ! ولكن هنا في أورشليم من يريد أن يمنع هذا الهتاف وهذه الصرخة الخلاصية (رؤساء الكهنة والفريسيون)[8] إذ أنهم مصابون بالغيرة والحسد ومنتفعون من الوضع الراهن ولا يرون وليس لديهم رجاء فيما هو أفضلَ حالًا من هذا. كانت أورشليم تبدو في العيد مبتهجة ويعمها مظاهر الإحتفالات ولكنها في واقعها تحت سيطرة السيد والقيصر الروماني؛ تعاني المظالم والفقر والعبودية. هذا هو موقف الجماهير والسياق التاريخي والديني لصرختهم ليسوع: هوشيعنا أو خلصنا أو أوصنا.
أما عن عيدنا نحن وموقفنا نحن، فيسوع اليوم لا يدخل إلى أورشليم تلك البلدة القديمة التي يحج إليها المسيحيون، بل إلى قلوبنا التي لها اليوم مظاهر الاحتفالات والأعياد ولكن في الحقيقة هي لا تتمتع بالحرية الكاملة بل سمح لها إبليس ببعض من مظاهر الحرية والعبادة حتى تقتنع إنها حرَّة وتحاول أن تسترضيه ولا تغضبه بأي رغبة جامحة في حرية أكبر لئلا يأتي ويدمرها. ومن هنا نرى في أورشليمنا الداخلية موقفين متعارضين؛ أولهما يسعى للحرية الكاملة الحقيقية ويرى في يسوع مخلصًا من كل السادة الذين استولوا عليها: الخطية والعالم والموت والخوف والشيطان “أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُنَا، قَدِ اسْتَوْلَى عَلَيْنَا سَادَةٌ سِوَاكَ.” إش 26: 13 (عبري) والموقف الآخر جبانٌ يريد أن يبقى الوضع على ما هو عليه، ويرضى ببعض من الحرية الشكلية والتي يحدد حجمها وحدودها إبليس! الأول يصرخ وينادي المسيح ليأتي ويخلصه، والثاني ينتهر الأول ويحاول إسكاته!
علينا في هذا اليوم وباقي أيام هذا الأسبوع العظيم ألا نتوقف عن الصراخ والهتاف ليسوع بأن يأتي ليحررنا من الخوف والخطيئة والموت والشيطان. علينا أن نثق بقدرته أن يفعل هذا. علينا أن نكفر بأية حرية يحدد حجمها المُستعبد إبليس. علينا أن نصرخ إلى يسوع بإن يأتي لينقي عبادتنا وروحانياتنا من كل رياء وانتفاعية.
ما أجمل وعود النبوات السابقة للعيد للصارخين إلى المسيح طلبًا للخلاص والحرية :
اِفرحي جدًا يا ابنة صهيون، اِكرزي يا ابنة أورشليم. اِبتهجي وتهللي من كل قلبك، يا ابنة أورشليم. قد نزع الرب آثامك، قد فداكِ من يد أعدائك. ملك إسرائيل في وسطكِ…. الرب إلهكِ فيكِ، جبارٌ سيخلصكِ، يفيض عليكِ ابتهاجًا، وَيُجددكِ في محبته، …. ويلٌ! مَنْ أخذَ عليها قباحةً؟ هاءنذا [هأنذا] أعملُ فيكِ من أجلكِ.[9] (صف 3: 14 – 19 سبعينية).
وَأنتِ بدم العهد أطلقتِ أسراك من الجب الذي ليس فيه ماء. ستجلسون في الحصن يا أسرى الجماعة، وَعوض يوم واحد من غربتك أعوضكِ ضعفين. (زك 9: 11 سبعينية)[10]
وَالْجُمُوعُ الَّذِينَ تَقَدَّمُوا وَالَّذِينَ تَبِعُوا كَانُوا يَصْرَخُونَ قَائِلِينَ: «أُوصَنَّا لابْنِ دَاوُدَ! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ! أُوصَنَّا فِي الأَعَالِي!» مت 21: 9
وَالَّذِينَ تَقَدَّمُوا، وَالَّذِينَ تَبِعُوا كَانُوا يَصْرُخُونَ قَائِلِينَ: «أُوصَنَّا! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ! 10 مُبَارَكَةٌ مَمْلَكَةُ أَبِينَا دَاوُدَ الآتِيَةُ بِاسْمِ الرَّبِّ! أُوصَنَّا فِي الأَعَالِي!» مر 11: 9 – 10.
وَلَمَّا قَرُبَ عِنْدَ مُنْحَدَرِ جَبَلِ الزَّيْتُونِ، ابْتَدَأَ كُلُّ جُمْهُورِ التَّلاَمِيذِ يَفْرَحُونَ وَيُسَبِّحُونَ اللهَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، لأَجْلِ جَمِيعِ الْقُوَّاتِ الَّتِي نَظَرُوا، 38 قَائِلِينَ: «مُبَارَكٌ الْمَلِكُ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ! سَلاَمٌ فِي السَّمَاءِ وَمَجْدٌ فِي الأَعَالِي!» لو 19: 37 – 38.
وَفِي الْغَدِ سَمِعَ الْجَمْعُ الْكَثِيرُ الَّذِي جَاءَ إِلَى الْعِيدِ أَنَّ يَسُوعَ آتٍ إِلَى أُورُشَلِيمَ، 13 فَأَخَذُوا سُعُوفَ النَّخْلِ وَخَرَجُوا لِلِقَائِهِ، وَكَانُوا يَصْرُخُونَ: «أُوصَنَّا! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ! مَلِكُ إِسْرَائِيلَ!» 14 وَوَجَدَ يَسُوعُ جَحْشًا فَجَلَسَ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: 15 «لاَ تَخَافِي يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي جَالِسًا عَلَى جَحْشٍ أَتَانٍ» يو 15: 12 – 15.
يهوذا…. رَابِطًا بِالْكَرْمَةِ جَحْشَهُ، وَبِالْجَفْنَةِ ابْنَ أَتَانِهِ (تك 49: 11)
اِفرحي جدًا يا ابنة صهيون. اِكرزي يا ابنة أورشليم. هوذا ملكك يأتي إليك، وهو بارٌ ومخلصٌ، وديعٌ وَرَاكبٌ على حمار وَجَحشٍ صغيرٍ.[5] (زك 9: 9 سبعينية)[6]
اِفرحي جدًا يا ابنة صهيون، اِكرزي يا ابنة أورشليم. اِبتهجي وتهللي من كل قلبك، يا ابنة أورشليم. قد نزع الرب آثامك، قد فداكِ من يد أعدائك. ملك إسرائيل في وسطكِ…. الرب إلهكِ فيكِ، جبارٌ سيخلصكِ، يفيض عليكِ ابتهاجًا، وَيُجددكِ في محبته، …. ويلٌ! مَنْ أخذَ عليها قباحةً؟ هاءنذا [هأنذا] أعملُ فيكِ من أجلكِ.[7] (صف 3: 14 – 19 سبعينية).
اِفرحي جدًا يا ابنة صهيون، اِكرزي يا ابنة أورشليم. اِبتهجي وتهللي من كل قلبك، يا ابنة أورشليم. قد نزع الرب آثامك، قد فداكِ من يد أعدائك. ملك إسرائيل في وسطكِ…. الرب إلهكِ فيكِ، جبارٌ سيخلصكِ، يفيض عليكِ ابتهاجًا، وَيُجددكِ في محبته، …. ويلٌ! مَنْ أخذَ عليها قباحةً؟ هاءنذا [هأنذا] أعملُ فيكِ من أجلكِ.[9] (صف 3: 14 – 19 سبعينية).
وَأنتِ بدم العهد أطلقتِ أسراك من الجب الذي ليس فيه ماء. ستجلسون في الحصن يا أسرى الجماعة، وَعوض يوم واحد من غربتك أعوضكِ ضعفين. (زك 9: 11 سبعينية)[10]