أبونا زعق فيّ

البعض يطلب الراحة في الكنيسة ، فيتألم! ماذا فعلت حَنَّة ؟

يرى القديس يوحنا ذهبي الفم في عظاته عن حَنَّة،[1] أنها قدمت الصلاة التي تحدث عنها الرب يسوع و القديس بولس في العهد الجديد؛ إذ أنها لم تكثر الكلام باطلًا كالأمم (راجع مت 6: 7) بل اعتمدت صلاةً قصيرة الكلمات و لكنها رددتها بلا ملل (راجع لو 18: 1) و لا انقطاع (راجع اتس 5: 17). إن القديسة حَنَّة تقدم لنا نموذجًا للصلاة القلبية التي تعلمنا إياه الروحانية الأرثوذكسية؛ أي صلاة قليلة الكلمات، مثل صلاة يسوع، و نصليها داخل قلوبنا و لو بلا كلمات مسموعة، و لكن بانجماع كامل للعقل ننتصب أمام الرب[2]، إذ تقول السبعينية ” انتصبت أمام الرب، …. فَصَلِّت إلى الرب، ….و حدث لما أكثرت الصلاة أمام الرب أن عالي الكاهن لاحظ فاها. و هي تتكلم في قلبها و شفتاها تتحركان، و صوتها لم يكن يُسمع، فحسب عالي أنها سكرى.“[3]
لاحظ أيضًا القديس يوحنا ذهبي الفم، كيف تعرضت القديسة حَنَّة لتجربة شيطانية صعبة، كثيرًا ما نتعرض لها نحن أيضًا، و هي أنها كانت تمر أصلًا بمحنة صعبة و هي العقم و كذلك اشتد عليها الألم بما كانت تفعله معها ضَرَّتُها، إذ كانت تغيظها، و لما قالت في نفسها أن تذهب لبيت الرب لتطلب راحةً و عزاءً، فإذ بعالي الكاهن (حسب النص العبري الماسوري) أو غلام عالي الكاهن (بحسب السبعينية) يتهمهما بأمرٍ مؤسف و مؤلم للنفس و هو أنها سكرى![4] كان من الممكن أن يكون جواب حَنَّة كجواب البعض منا، إذا تعرض لهذا الموقف، كأن نقول ” لن نذهب إلى الكنيسة ثانيةً” أو ” لم تعد الكنيسة مكان راحة و عزاء، و لا الكاهن أب و راعٍ” أو ” أنا لن أحيي الكاهن مرةً أخرى أو أُقَبِّل يده” أو ” أهذا جوابك يا رب، و أنا محزون القلب ؟! مزيدٌ من الألم و الإهانة، و في بيتك، و من خدامك؟!”
حقًا إنها تجربة شيطانية قاسية لدفعنا أن نترك الكنيسة و نرفض الرعاة والخدام، بل وحتى لنخاصم الرب نفسه، لقد تعرض أيوب لنفس التجربة الشيطانية، حينما كان مر النفس بفقدانه الأبناء و الممتلكات و الصحة، و إذ بالشيطان يضع في فم زوجته هذه الكلمات المؤلمة ” إلى متى ستحتمل قائلًا: ها أنا ما زلت أنتظر لفترة قصيرةٍ متوقعًا رجاء خلاصي؟ هوذا ذكراك تفنى من الأرض، البنون و البنات مَخَاض و آلام بطني، الذين تعبت فيهم بشدائد باطلًا. و أنت نفسك تجلس في نتن الدود ممضيًا الليل كله في الطَّلِّ. و أنا متجولةٌ و أجيرةٌ أدور من مكانٍ إلى مكانٍ و من بيتٍ إلى بيتٍ، منتظرة غروب الشمس كي أرتاح من الأتعاب و الآلام التي تزعجني الآن. لكن قل كلمةً على الله و مت!” أيوب 2: 8 – 9 (بحسب السبعينية)[5]. لننظر جواب القديسة حَنَّة المملوء صبرًا و تهذبًا ” لا يا سيدي….” و لنستمع لرد أيوب البار المملوء مخافة ” تَكَلَّمْتِ كلامًا كإحدى النساء الحمقاوات! إن كنا قبلنا الخيرات من يد الرب، ألن نحتمل الشرور؟ ” أيوب 2: 10 (بحسب السبعينية)[6] . على أية حال نجت حَنَّة من التجربة الشيطانية، و إذ برد فعلها جذبت إليها البركات من السماء.
بقي لنا أن نلاحظ تشابه التهمة التي وُجهت للقديسة حَنَّة، بتلك التي وُجت للتلاميذ بعد حلول الروح القدس عليهم يوم الخمسين ” إنهم قد امتلأوا سُلافةً” أع 2: 13 أي أنهم سكارى! و جواب القديس بطرس الذي يشبه جواب القديسة حَنَّة ” لأن هؤلاء ليسوا سكارى”! قد تكون القديسة حَنَّة ذاقت في صلاتها ملء الروح القدس!

[1] Constantinou, Jeannie. “Samuel and Hannah Part 2 .” Search the Scripture Podcast. Lecture presented at the Search the Scripture Podcast, September 25, 2010. https://www.ancientfaith.com/podcasts/searchthescriptures/samuel_and_hannah_-_part_2

[2] الترجمة السبعينية تضيف وصف أن حَنَّة ” انتصبت أمام الرب ” – خالد اليازجي، ترجمة عربية للسبعينية: الأسفار التاريخية ج1 (القاهرة: مدرسة إسكندرية للدراسات المسيحية، 2020)، 107.

[3] المرجع السابق، 107 – 08.

[4] Constantinou, Jeannie. “Samuel and Hannah Part 2 .”

[5] راهب من دير القديس أنطونيوس، سفر أيوب: عن الترجمة السبعينية بالمقارنة مع النص العبري و القبطي الصعيدي و البحري (البرية الشرقية: دير القديس العظيم أنبا أنطونيوس، 2019)، 18.

[6] المرجع السابق.

شارك المقال مع اخرين

اكتشف المزيد

أعياد
Rakoty CYCS

خريستوس آنيستي!

خريستوس آنيستي! إن قوة قيامة المسيح تظل منحصرة في طبيعته البشرية المتحدة بلاهوته والتي أخذها من العذراء القديسة مريم، حتى يأتي إلينا الروح القدس، ويأخذ

عايز تدرس معانا ؟

تصفح العديد من البرامج والدروس المتاحة