لقد مهد يوحنا المعمدان، بالتوبة، الطريق لمعرفة المسيح وظهوره!!
بدون توبة عن الخطية، وندم على حياة الاستهتار، وعودة القلب إلى مخافة الله؛ يتعذر استعلان معرفة المسيح وينحجب ظهوره الإلهي عن النفس! … «وأنا لم أكن أعرفه لكن ليُظهر لإسرائيل لذلك جئت أعمد بالماء … وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله.» (يو 1: 31، 34)
إذن فكانت معمودية يوحنا بالماء للتوبة، ضرورة مطلقة حتى يُستعلن المسيح!
ولا تزال التوبة فى كل حين وحتى هذه الساعة هى الطريق الوحيد الذى يوصلنا الى التعرف على شخصية المسيح. فمن خلال ضغطة الحزن على الخطية والإحساس بالندم، نستكشف رحمة يسوع وقيمة دمه وقدرة لاهوته على الإقامة من الأموات والهاوية..
ولكن يا لجلال الرب للقلب التائب!! ويا لقوة الدم للضمير الذي يئن من ثقل الخطية!!
حينما تبلغ النفس إلى حقيقة ذاتها بعد ان تكون قد واجهت خطيتها بشجاعة وصمود دون تهرب أو اعتذار أو عطف كاذب… فحينئذ لا ترى مفراً من السقوط تحت خشبة الصليب!!… ولا تعود ترى فى يسوع موضوعاً فكريا للايمان، بل حقيقة حياة من الموت وخلاص من الهاوية.
بداية سيرة الخاطئ مع الله، كبداية ميت فى القبر … ليس عليه واجبات، لأن ليس له حقوق في شئ «ليس فى الموت من يذكرك ولا فى الجحيم من يعترف لك» (مز 6: 5)
إن الخاطئ الذى غرته الخطية وقتلته يبدو وكأنه بلا نفس، بلا قوة على العمل، بلا حركة فى الروح، بلا أُذن للسمع؛ من أجل هذا جاء ابن الله، كلمة الله الحية، وأرسل صوته بالإنجيل ليزرع بكلمته أُذناً جديدة فى النفس الميتة لتسمع الإيمان وتعيه… وحين يسمع الخاطئ صوت ابن الله يحيا ويقوم من بين الأموات.
فكل خليقة فى الوجود، إن فى السماء أو على الأرض، عليها أن تتحرك وتجهد وتثابر لتحيا، إلا الخاطئ، فلا يُطالب من الله أن يتحرك إلى شئ أو يجهد من اجل شئ أو يثابر على شئ، إلا أن يقبل فقط صوت الله الحنون ولا يرفض دعوة حبه! «والسامعون يحيون» …
صوت الله قوة ليست محيية فقط بل وجاذبة أيضاً، تستطيع أن تجذب النفس من أعماق الموت والهاوية وتقيمها من قبر الشهوات وتفكها وتدفعها. هذه الأمور يستحيل على النفس أن تؤديها من ذاتها بل ويستحيل عليها أن تتشارك فيها ولا بشئ من الجهد، ولكنها مطالبة فقط أن لا ترفضها.
«لا يقدر أحد ان يقبل إلى أن لم يجتذبه الآب» (يو 6: 44)
«… ومن يقبل إلى لا أُخرجه خارجاً» (يو 6: 37)
الأب متى المسكين – الإبيفانيا