fbpx
Search
Close this search box.

لماذا حَلَّ الروح القدس على ربنا يسوع في معموديته؟

الروح القدس هو روح القداسة والتجديد، وبدون الروح القدس نحن غرباء وبُعداء عن الله. وأول ظهور واستقرار للروح القدس في البشرية كان عند الأردن، حينما حلَّ واستقر الروح القدس على المسيح وقت عماده. فلم يكن نزول الروح القدس لرفعة الكلمة، بل نزولاً علينا نحن لتقديسنا، ولكي نأخذ من مسحته فيُقال عنَّا “أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ، وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ”(1كو3: 16). لأنه لما اغتسل المسيح في الأردن كإنسان، كنا نحن فيه ومعه الذين نغتسل، وظهرت ملامح الاتحاد العجيب الذي صار بيننا وبين الله الآب في شخص المسيح “هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ” (مت3: 17). وحينما اقتبل المسيح الروح القدس، نحن الذين كنا فيه مُتقبلين هذا الروح، الذي كان لنا بمثابة الجناحين الجديدين الذين أُعطيا لنا نحن الخليقة الجديدة المولودة من الماء والروح لنطير ونحلق بهما إلى الآب في حرية البنين “إِذًا إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ: الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا” (2كو5: 17). ومنه أخذنا نحن المسحة والختم “وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَكُمْ مَسْحَةٌ مِنَ الْقُدُّسِ وَتَعْلَمُونَ كُلَّ شَيْءٍ”(1يو2: 20). فنزول المسيح في مياه الأردن وحلول الروح القدس عليه وإعلان صوت الآب، كان لنا بدء ميلاد جديد من الله، ميلاد روحي من فوق، من السماء لحياة أبدية. فليس الكلمة هو الذي مُسح بالروح الذي هو يعطيه، بل نحن الذين كنا فيه، وقد مُسح هو حتى يصير التقديس كما صار للرب كإنسان يصير لكل البشرية فيه. فهو الكلمة الحقيقي وحيد الآب وبهاؤه وحكمته “الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثًا لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضًا عَمِلَ الْعَالَمِينَ، الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ” (عب1: 2)، الذي بهِ عَمِلَ العالمين وكل من هو منه يشترك فيه ويتقدَّس به في الروح القدس “لِيَجْمَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ، مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الْأَرْضِ، فِي ذَاكَ. الَّذِي فِيهِ أَيْضًا نِلْنَا نَصِيبًا”(أف1: 10). لذلك فهو مُسح لا ليصير إلهاً، لأنه هو هكذا من قبل كل الدهور، ولا ليصير ملكاً لأن له المُلك منذُ الأزل كونه صورة الله الآب. بل من أجلنا صار إنساناً ومُسح بالروح ليهيئ لنا نحن البشر سُكنى الروح وأُلفته فينا لننال التبني والتقديس “وَلِأَجْلِهِمْ أُقَدسُ أَنَا ذَاتيِ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا مُقَدَّسِينَ فِي الْحَق”(يو17: 19). فسُكنى الروح فينا حقيقة نلناها كنعمة بسبب التجسد والفداء “وَمِنْ مِلْئِهِ نَحْنُ جَمِيعًا أَخَذْنَا” (يو1: 16). ومن خلال اتحادنا السري والسرائري (الأسرار) في جسد المسيح “أَنَّ اللهَ بِالْحَقِيقَةِ فِيكُمْ”(1كو14: 25). “وَبِهذَا نَعْرِفُ أَنَّه يَمْكُثُ فِينَا: مِنَ الرُّوحِ الَّذي أَعْطَانَا”(1يو 3: 24). وصارت لنا البنوَّة لله في المسيح بالروح القدس الذي انسكب فينا بسبب التجسد والفداء. وهذا هو قصد التجسد في النهاية، أن يُشركنا الله في حياته، ويتخذنا له بنينًا فنصير أبناءً في المسيح. دون حدوث اختلاط بين طبيعتنا وطبيعة الله، الإنسان يظل إنساناً والله يظل هو الله وبهذه الشركة تتجلَّى الصورة في الإنسان كما قصدها الله أن تكون، منذُ خلقته ” فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ
عَلَى صُورَتِهِ. عَلى صُورَةِ الله خَلَقَهُ” (تك1: 27). إنسانية صحيحة القدرات والمواهب مكلَّلة بموهبة عدم الفساد، وأولاها حرية إرادته. “اَللهُ الَّذِي هُوَ غَنِيٌ فِي الرَّحْمَةِ، مِنْ أَجْلِ مَحَبَّتِهِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي أَحَبَّنَا بِهَا، وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيحِ -بِالنَّعْمَةِ أَنْتُمْ مُخَلَّصُونَ- وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ”(أف2: 4).

الراهب جاد الأسيوطي

عيد الغطاس (الإبيفانيا) المجيد- 2024

شارك المقال مع اخرين

اكتشف المزيد

أعياد
Rakoty CYCS

حياةٌ مِنَ الموت

حياةٌ مِنَ الموت إن فصل الإنجيل لقداس عيد القيامة المجيد والذي قُرأ علينا الآن (يو 20: 1-18) يتضمن مفارقة عجيبة؛ ألا وهي أن الكلمة الأكثر

روحية
Rakoty CYCS

لماذا هذا الموقف من آلام المسيح؟

آلام المسيح تغربلنا «وَقَالَ الرَّبُّ: «سِمْعَانُ، سِمْعَانُ، هُوَذَا الشَّيْطَانُ طَلَبَكُمْ لِكَيْ يُغَرْبِلَكُمْ كَالْحِنْطَةِ! وَلكِنِّي طَلَبْتُ مِنْ أَجْلِكَ لِكَيْ لاَ يَفْنَى إِيمَانُكَ. وَأَنْتَ مَتَى رَجَعْتَ ثَبِّتْ إِخْوَتَكَ»

عايز تدرس معانا ؟

تصفح العديد من البرامج والدروس المتاحة